مقدمة:يعد موضوع الإدراك من أكثر المواضيع التي نالت اهتمام العلماء في مختلف التخصصات وذلك لاتصاله بحياة الأفراد اليومية ، فالإنسان لا يستطيع أن يشبع حاجاته إلا إذا أدرك ما في البيئة من إمكانات ، حيث يتعامل الفرد يوميا مع العديد من المثيرات التي
تتطلب منه الفهم والتحليل وأحيانا الاستجابة الفورية، وما ساعده في ذلك القوى العقلية التي فطر عليها والتي تقوم بعملية الإدراك.
فعند استقبال مثير معين فجميعنا يحقق الفهم ولكن هل يصل جميع الأفراد إلى نفس الإدراك ؟وهل ندرك هذه المثيرات بنفس الطريق؟
فلو تأمل عدد من الأفراد لوحة تشكيلية مرسومة بالزيت، فإن من المتوقع أن يفهم كل منهم هذه اللوحة بطريقة مختلفة عن الآخر وذلك لأن خبراتنا السابقة مختلفة وطرق معالجتها للمعلومات لربما تكون مختلفة أيضا مما يعني أننا عند محاولة إدراك مثير ما فإننا نفرض على هذا المثير نظاما خاصا ونضفي عليه مما في داخلنا ليسهل علينا التعامل معه وضبطه وتوجيه .
وعملية الإدراك جزء مهم من نظام المعلومات حيث ينطوي هذا النظام على عمليات الإحساس بالمثيرات البيئية ثم الانتباه لها ثم إدراكها ، لذلك فإن وظيفة الإدراك هي تحليل وفهم المعلومات الحسية القادمة من البيئة المحيطة والتي تم الانتباه لها إراديا أو لا إراديا.
لهذا نجد العديد من علماء النفس من المهتمين بتفسير عملية الإدراك بتجارب عديدة كرست في الغالب على أنواع مختلفة من الحيوانات ذلك لأن سلوك الحيوان بسيط وسلوك الإنسان معقد، والعلم ينتقل دائما من البسيط إلى المعقد وبالرغم من أنهم توصلوا إلى نتائج إلا أنهم اختلفوا في تفسيرها كل حسب طريقته الخاصة في ذلك ومن بين أهم النظريات التي لقت صدى واسع من خلال تجاربها نجد النظرية الإدراكية
أو ما تسمى بالجشطالتية التي سنحاول التطرق إليها في بحثنا هذا من خلال البدء أولا بماهيتها من حيث المفاهيم ، النشأة والمبادئ ثم الانتقال من المجال النظري إلى التطبيقي من خلال التجارب التي أسس لها في هذا المجال والنتائج المرجوة منها و في الفصل الأخير سنتحدث عن التطبيقات المهمة في النظرية الإدراكية وتقييمها.
لفصل الأول: ماهية النظرية الإدراكية:
تحديد المفاهيم:
مفهوم النظرية:هي عبارة عن جهود وأبحاث مجموعة من الباحثين حول موضوع معين.
عبارة عن مجموعة من المفاهيم والتعريفات والافتراضات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة ما عن طريق تحديد العلاقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بتلك الظاهرة، وهذا بهدف تفسير تلك الظاهرة والتنبؤ بها مستقبلا.
مفهوم الإدراك:يعرفه أندرسون على أنه " محاولة تفسير المعلومات التي تصل إلى الدماغ ".
يعرفه سولسو على أنه " فرع من فروع علم النفس يرتبط بفهم المثيرات الحسية والتنبؤ بها.
هو التعرف إلى العالم الخارجي طريق المثيرات الحسية المختلفة. وهو استجابة لمثيرات حسية معينة عندما تمر بإحدى حواسنا في لحظة إحساس معينة فإنها تقودنا إلى إدراك ما نحسه ونفسره ونفهم مصدره وهنا أشياء تفرض وجودها علينا فرضا فتجذب انتباهنا دون غيرها مثلا: عندما نبحث عن صورة شخص معين بين مجموعة صور من الأرشيف فإننا نهمل بقية الوجوه .
مفهوم النظرية الإدراكية: 'الجشطالتية':
أصل الكلمة: أصل هذه الكلمة ألماني مشتقة من كلمة gestalt حيث تعني في أصلها شكل SHAPEوتؤدي في غالبها معنى الصيغة أو النمط. وترجع هذه التسمية إلى أن دراسات هذه المدرسة للمدركات الحسية بينت أن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليست هي العناصر أو الأجزاء التي يتكون منها المدرك وإنما الشكل أو البناء العام، مثلا: المثلث لا يتكون من ثلاث أضلاع وثلاث زوايا مجتمعة مع بعضها البعض. والدليل على ذلك أنه لا يمكن أن ندرك المثلث من ثلاثة خطوط موضوعة في أي وضع أو ثلاث زوايا منفردة فالعلاقة العامة أو الصياغة الكلية عند جماعة الجشطالت هي الناحية الرئيسية الأولى بالاهتمام.
ضمنيا:هي كل متكامل يتضمن النظرة إلى الكل وليس إلى الجزء حيث عرفها ليفن على أنها ' تنظيم عام تكون جزئياته مرتبطة ارتباطا فعالا بحيث إذا تغير أحد أجزائه يتبع هذا التغيير تغيير في الشكل الكلي العام '.
هي دراسة الإدراك و السلوك من زاوية استجابة الكائن الحي لوحدات أو صور متكاملة مع التأكيد على تطابق الأحداث السيكولوجية والفسيولوجية ورفض اعتبار الإدراك مجرد مجموعة استجابات صغيرة أو متناثرة لمثيرات موضعية.
إسقاط التعريف على وسائل الإعلام: هي التي ترى أن الفرد عند تلقيه رسالة إعلامية أو مادة إعلامية يدركها بصفة متكاملة أي لا يدرك أجزاء كل على حدة فهو لا يدرك الجزء ثم الكل بل بصفة عامة.
المفاهيم الأساسية للنظرية الإدراكية:
الجشطالت: gestalt إن المفهوم الأساسي في النظرية الجشطالتية لا يمكن لسوء الحظ ترجمته إلى الإنجليزية والعربية أيضا ترجمة دقيقة وبطبيعة الحال فإن هذا هو سبب بقاء الكلمة الألمانية ، وهي جزء من مصطلحات علم النفس الفنية المستخدمة عالميا والكلمة تعني أقرب ما يكون الصيغة أو الشكل أو النموذج أو الهيئة أو النمط أو البنية أو الكل المنظم الجشطالت كل مترابط الأجزاء باتساق أو انتظام أو نظام فيه تكون الأجزاء المكونة له مترابطة ترابطا ديناميكيا فيما بينها وفيما بينها وبين الكل ذاته أو قل هو كل متكامل كل جزء فيه له مكانة ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل، الجشطالت هو النقيض للمجموع إذ أن المجموع ليس أكثر من حزمة من الأجزاء أو سلسلة من القطع التي قد تكون مشبوكة أو ملصقة بعضها ببعض بطرية عشوائية.
البنية أو التركيب: لكل جشطالت بنية متأصلة فيه وتميزه عن غيره والحقيقة أن مهمة النظرية الجشطالتية تتمثل في وصف البنى الطبيعية بطريقة لا تشوه أصولها ومعظم أنواع الجشطالت لها قوانينها الداخلية التي تحكمها فبنية الجشطالت النمطي تقوم على طريقة ما بحيث يؤدي تغيير أي جزء من أجزائها إلى تغيرات حتمية في الغالب على تلك البنية. أما أجزاء الجشطالت نوع دي 7 وهي نغمة مسيطرة تتطلب نبرة جي G الوترية في الموسيقى الكلاسيكية ولذلك تكون مختلفة عن كونها النغمة الثالثة في وتر ثانوي من نوع A أو عندما تكون النبرة التي تعزف عليها القطعة الموسيقية على مفتاح سي.
الاستبصار:insight إن تحقيق الانطباع الصادق عن حالة إشكال ما أمر حقيقي من وجهة نظر الجشطالت في التعلم ويتمثل ذلك في اكتساب الاستبصار في البنية التي يكون عليها موقف مشكل وفهم ترابط أجزائه وطريقة عمله وكيفية التوصل إلى الحلول المناسبة له ولن يكون التعلم في صورته النمطية قد تم إذا لم يتحقق مثل هذا الاستبصار.
" إدراك العلاقة بين جزئيات الموقف "الشكل وعناصره إدراك صحيحا ولكن هذا الفهم الصحيح يكون فجائي ،أي الوصول إلى حل للمشكلة يكون فجأة ويرى الجشطالت أن أي تحسن في التعلم هو تحسن في تنظيم المجال الإدراكي.
وهو مجرد الفهم للموقف وكيفية الوصول للحل وقد يقصد به الطريقة التي تعالج بها مشكلة بالبحث عن العلاقات الداخلية والمبادئ الرئيسية ولكن هناك تعريف أكثر دقة من ناحية نظرية الجشطالت حيث يمكن القول بأنه يعني إدراك مفاجئ للعلاقات بين عناصر أو جوانب الموقف التعليمي نتيجة إعادة تنظيم تلك العناصر بشكل جيد، وهو دليل على أن الفرد فهم المشكلة وعرف ما يجب عمله لحلها ومما يؤكد أن الحل المفاجئ يأتي كمحاولة صحيحة بعد المحاولات الفاشلة من خلال ملاحظة الكائن الحي الذي لا يكرر المحاولات الفاشلة .
الفهم:understanding :إن الاستبصار هو تحقيق الفهم الكامل للأشياء ويكون التعلم قد تم حصوله إذا كان هناك استبصار أو فهم والفهم هو الهدف من التعلم
التنظيم:organisation تنظيم بنية الجشطالت بطريقة خاصة مميزة وفهم تلك البنية يعني تفهم طريقة تنظيمية وقد كان تكوين مبادئ التنظيم الجشطالتي للإدراك إسهاما رئيسيا لهذه المدرسة وقد انتقلت هذه المبادئ مباشرة إلى سيكولوجية التعلم ولما كانت معرفة الجشطالت أو استبصاره تعني أن يكون العارف له مطلعا على بنيته وعارفا بكيفية تنظيمه فإن مبادئ التنظيم الجشطالتي تصبح من الأمور الأساسية لسيكولوجية التعلم، أما كما هي لسيكولوجية الإدراك.
إعادة التنظيم:reorganization إذا استطاعت الكائنات الحية إدراك وفهم كل موقف جديد بصورة مباشرة وصحيحة وبدون أية مصاعب فمعنى هذا أنه لا توجد حاجة للتعلم ولكن الكثير من المشكلات تتم بصور يصعب عمل أي شيء إزاءها أو حلها إذا ما واجهناها لأول مرة بل وقد تبدو المشكلة لأول وهلة غير قابلة للفهم ولا معنى لها أو أنها غامضة ولا يصبح الحل ممكنا إلا إذا أمكن التعرف بوضوح على الملامح الرئيسية للمشكلة وظهرت بعض الدلائل التي تجعل من الحل أمرا ممكنا وهكذا فإن التعلم غالبا ما ينطوي على تغيير إدراكنا الأولي للموقف المشكل وإعادة تنظيم ذلك الإدراك حتى نحقق النجاح وبذلك نجد الطريق للتعامل مع المواقف وإعادة التنظيم في صورته النمطية يعني استبعاد التفاصيل التي لا جدوى من ورائها وتصبح الملامح الرئيسية للمشكلة بارزة ونرى المشكلة أكثر وضوحا
المعنى:Meaning: إن التعلم الحقيقي لا يتطلب إقامة ارتباطات تحكمية بالعناصر غير المترابطة بل إن السياق التعلمي النمطي ينطوي على الانتقال من موقف تكون الأشياء فيه لا معنى لها أو ذلك الموقف الذي يكون فيه التحكم هو القاعدة السائدة إلى موقف له معنى تكون فيه العلاقات بين الأجزاء مفهومة وتعني شيئا فخاصية المعنى أو مفهومه وليس مجرد الارتباط الأعمى هو الذي يمثل السمة المميزة للتعلم الحقيقي.
الانتقال:Transfer: إن الاختبار الحقيقي للفهم هو إمكانية انتقال الاستبصار الذي تم الحصول عليه إلى مواقف أخرى تشبه في بنيتها الموقف الأول ولكنها لا تختلف عنه إلا في التفاصيل السطحية فالتعلم الأعمى القائم على الارتباط من غير المحتمل أن يكون قابلا للتعميم إلى المواقف الأخرى ذات الصلة أو المشكلات المشابهة والاستبصار الحقيقي هو الذي ينتقل إلى المجالات المرتبطة به.
الدافعية الأصيلية:Intrinsic Motivation: إن تحقيق الاستبصار من أهم أشكال المكافأة الأصيلة في جميع التجارب وهذا يعني أن اكتساب الفهم أو الكفاءة يمثل أهم أشكال المكافأة ومن هنا فإن استخدام المكافأة الخارجية وأشكال التعزيز غير المترابطة ارتباطا مباشرا ومتداعيا بالعمل المحدد ذاته الذي نتعلم عنه شيئا أمر ينبغي عدم تشجيعه وإيقافه فالدافع الأصيل لمحاولة عمل شيء له معنى من شيء جديد كاف في حد ذاته ويؤدي إلى التعلم أما الدافع الخارجي فمن المحتمل أن يؤدي إلى التشويش وإلى الاهتمام بشيء لا علاقة مباشرة بينه وبين العمل التعلمي ذاته.
الأصل التاريخي للنظرية الإدراكية:
لم تكن الجشطالت وليدة العقد الأول من القرن العشرين ولم تكن بالمنبع الألماني الأول الذي أورد العالم بحيوية جديدة في ميدان علم النفس خاصة في مجال الإدراك وإنما قد تشعبت بها سبل الماضي وإن كان هناك اتفاق على مبدأ الكلية فلا يأتي باحث بنقض ما أخطه من رأى أرسطو لأنه أقرب للفلسفية منه إلى مجال السيكولوجي كحقل علمي تجريبي وإنما شفيعي في ذلك أن لكل نظرية جذور ما هي إلا أفكار أو إرهاصات تتحاملها الأزمنة إلى أن تستقر وتنضج في الشكل المسمى لها والمتعارف عليها . لقد ذهب العقل اليوناني في العصور القديمة إلى رأيه في المسألة الكلية في إطار دراسته للعالم والهيولي والحكمة فرأى أرسطو أن الكائن الأول ينبغي أن يكون واحدا غير متجزئ لأن الأجزاء تسبق الكل المتجمع منها .وكان لعلماء المسلمين ثمرة في العلم بأمر الكلية فإن ابن سينا يرى أن الإنسان والحيوان وحده هو الذي يدرك الكليات بالنفس الناطقة فالإحساسات المختلفة تجتمع في الحس المشترك ويحدث عن ذلك الإدراك الحسي ، فهو بمثابة مركز الحواس الظاهرة،] وفي مقايسة أبي حيان التوحيدي في الفرق بين الكلى والكل يرى أبو سليمان أن الكل إن رفع منه واحد من أجزائه بطلت صورة الكل .ومع توالى الدهور جاء كانط بوحدة الفعل الإدراكي ، فإننا ندرك أشياء يمكن أن تقسم إلى أجزاء و إن كانت هذه الأجزاء تنتظم بشكل قبلي ، ثم جاء بعد ذلك برنتانو الذي أكد على أن علم النفس علم دراسة الخبرات النفسية عملا وفعلا أكثر من كونه دراسة لمحتواها ، ، ولا ينكر أحد أن تقدم العلوم الطبيعية كان لهاأثر تاريخي بالنسبة للجشطالت فقد سعت العلوم الطبيعية إلي قوانين شمولية تنتظم تحتها موضوعات عديدة ، ففي مباحث نشأة العقيدة الإلهية عند الإنسان نجد أن جاء اعتقاده بكل آلهة قومه وأدرك كونها وأفعالها ولما كان التفكير لاحقا علي عملية الإدراك فقد انتقل من طور تعدد الآلهة إلي طور التمييز والترجيح بينها ثم إلي طور الوحدانية .
وحتى ولهلم فونت يعترف بأن الكل العقلي قد يكون شيئا مختلفاعن مجرد مجموع الأجزاء المكونة له وهو يرى أن العقل يؤدي بالعناصرإلى عمل من التركيب الخلاق ( creative synthesis ) إذاماكان ذلك عن طريق عمليات الأحاسيس والارتباطات مما يؤدي إلى قيام الكل المتكامل الذي لا يشبه تماما مجموع العناصر التي تكونه ومع ذلك فإن المناخ الذي ساد علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر كان إذا ما أردنا وصفه على صورة مبسطة يتمثل في أن الكل بصورة عامة ليس أكثر من مجموع أجزائه. ولكن البحث المشهور الذي أعده كريستيان فون اهر ينفلز عام ١٨٩٠ كان يرى أن معظم الكليات العقلية هي أكثرمن مجرد مجموع أجزائها فالمثلث ليس مجرد مجموع ثلاثة خطوط مستقيمة وثلاث زوايا مناسبة ولكن المثلث هو مجموع هذه العناصر الستة مضافا إليها عنصرا سابعا ألا وهو» الصفة الجشطالتية « أوالصفة الشكلية للمثلث. والواقع أن اهرينفلز يشيرإلى أنه يمكن لنا أن نغيرالعناصر الستة الأولى إلى حد كبير بدون أن يفقد الشكل صفته كمثلث، فالمثلثات تأتي على أشكال وأحجام لاحصرلها وبالمثل فإن اللحن الموسيقي ليس مجرد اﻟﻤﺠموع الكلي للنغمات التي تكونه بل مجموع هذه النغمات مضافا إليها الصفة الشكلية الخاصة بذلك اللحن ذاته كما يمكن نقل اللحن إلى مقام موسيقي مختلف وذلك عن طريق تغيير جميع النغمات أو»عناصراللحن« ومع ذلك نظل نقول إن اللحن هو اللحن. وهكذا كان فون اهرينفلز يرى أن الكل أكثر من مجموع أجزائه. إنه مجموع أجزائه مضافا إليها الصفة الجشطالتية. هكذا كانت الأمور في بداية القرن العشرين وفي حوالي عام١٩١٠ اقترح ماكسفرتيمر تنظيما جديدا جذريا لوجهة النظر الكلية وهو التنظيم الذي أصبح فيما بعد في موضع القلبف يمدرسةعلم النفس الجشطالتية. وكان من رأى فرتيمر أن طريقة الجمع بأكملها طريقة خاطئة. فالكل غير مساو ﻟﻤﺠموع الأجزاء وليس كذلك مجرد مجموع الأجزاء مضافا إليها عنصر آخر أو الصفة الجشطالتية فالكل يمكن أن يختلف اختلافا تاما ًعن مجموع أجزائه. والنظر إلى الكل بطريقة الجمع أو كمجرد انه أكثرمن مجموع أجزائه نظرة غير ملائمة. فالكل منطقيا ومعرفيا سابق على أجزائه ،والواقع أن الأجزاء لاتصبح أجزاء ولا تقوم بوظيفتها كأجزاء حتى يوجد الكل الذي هي أجزاء له. وتزعم النظرية الجشطالتية أن الكل لا يساوي مجموع أجزائه كما انه (أي الكل) ليس مجرد أكثرمن أجزائه بل إن الكل له بنية وديناميكيات داخلية وهو ارتباط متكامل وهذا ما يجعله مختلفا اختلافا جذرياعن الشيءالذي ينظر إليه وكأنه مجرد مجموع أجزائه ، وقد أشير إلى هذه الطريقة أو لما أشير فيبحث قد مهفرتيمرعن الموسيقى البدائية نشر في مجلة مغمورة في عام١٩١٠في اقام فرتيمر بتطويرها في مقالة طويلة نشرهاعام١٩١٢ حول تفكير الشعوب»البدائية« في مجال الأرقام وتقدم هذه المقالة ثروة من الأمثلة الكثيرة التي توضح كم هو معقو لتفكير البدائي في مجال الأرقام وكيف انه تفكير أحسن بناؤه وأنه ملائم للمواقف التي يستخدم فيها. ويشيرالأوائل من أصحاب النظرية الجشطالتية إلى بحث آخر من أبحاث فرتيمر نشرفي١٩١٢ ( ٢) ويتناول بعض الظواهر الخاصة بالإدراك المتعلق بالحركة الظاهرية.
المنظرون الرئيسيون:
يعتبر ماكسفرتيمر ( ١٨٨٠ - ١٩٤٣ ) بصورة عامة مؤسس النظرية الجشطالتية وقدانضم إليه في وقت مبكر ولفجانج كوهلر ( ١٨٨٧ - ١٩٦٧وكيرتكوفكا ( ١٨٨٦ - ١٩٤١ ). وقد نشرالأخيران أبحاثا في النظرية الجشطالتية أكثرمن فرتيمر نفسه. وبعد عدة سنوات ارتبط كيرتليف ( ١٨٩١ - ١٩٤٧ ) بالثلاثة السابق وسارعلى منوالهم ولكن الطريقة التي تبناها وإن كانت متأثرة بالأسلوب الجشطالتي كانت مختلفة إلى الحد الذي حدا .عظم علماء النفس للاعتقاد بأنه كان مؤسس النظرية قريبة جدا من النظرية الجشطالتية وهي التي عرفت باسم نظرية اﻟﻤﺠال ( field theory ) أكثر من كونه من أصحاب النظرية الجشطالتية وفيما بعد ارتبط اسم كل من رود ولفارتيموسون إي بالنظرية ولدت النظرية الجشطالتية في ألمانيا وقدمت إلى الولايات المتحدة في العشرينات من القرن الحالي على يدي كوفكاوكوهلر. وفي عام١٩٢٤نشر أر. إم. أوجدن ترجمة إنجليزية لكتاب كوفكا Iوالعقل ( The Growth of the Mind ) وفي عام١٩٢٥ظهرت النسخة الإنجليزية للتقريرالذي يضم تجربة كوهلر المشهورة عن حل المشكلات عند الشمبانزي والتي أطلق عليها اسم عقلية القردة ( The Mentality of the Apes ). وأول المنشورات باللغة الإنجليزية من المنشورات الجشطالتية كان مقالة لكوفكا في عام١٩٢٢في النشرة المعروفة باسم النشرة السيكولوجية ( Psychological Bulletin ) وعنوانها»الإدراك مقدمة للنظرية الجشطالتية Perception An Introduction to the Gestalt) « Theory )وقد ترتب على هذا العنوان تاريخ طويل من سوء الفهم مؤداه أن النظرية الجشطالتية نظرية مرتبطة في الأساس بمجال الإدراك . (ومع أن الإدراك كان من المؤكد من بين الأمور الهامة التي يركزعليها الجشطالتيون بشكل تقليدي في عملهم إلا أن التفكير والمعرفة وحل المشكلات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي كانت من الأمورالتي تحظى بأهمية مماثلة ، وما أن حل منتصف عقد الثلاثينات حتى كان أصحاب النظرية
الجشطالتية الأساسيين الثلاثة-ومعهما ليف -قد هاجروا اإلى الولايات المتحدة ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه البلاد المقرالرئيسي
للنظرية الجشطالتية مع أنه وجد هناك الكثيرمن علماء النفس الذين ينتمون إلى الحركة الجشطالتية في بلاد أخرى في شتى أرجاء العالم: في اليابان و إيطاليا وفنلندا وألمانيا والهند وغيرها. كان ماكسفرتيمر مؤسس النظرية أول من أعلن المبدأ القائل بأن الكل سابق لجزئياته وأوردت مقالته( ٣) عن ظاهرة فاي (أي إدراك الحركة) Phi (Phenomenon ) أوالظاهرة الإدراكية الخاصة بظهورالحركة من مثيرات ثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة فيوضع متجاورينو هذه الظاهرة هي التي تفسر لنا الحركة في الصور السينمائية) سلسلة تجارب أجراها عامي١٩١٠و١٩١١في أكاديمية فرانكفورت والتي جعل زميليه كوهلروكوفكا موضوع تجاربه، وثلث التجارب في سلسلة من التغيرات على نموذج أصلي من التصميم فيه يظهرفي بادئ الأمرخط عمودي قصير(ولنسمه أ)لفترة قصيرة على يسار نقطة تثبيت معينة،ثم يطفأ ذلك الخط وبعد لحظة يظهرخط عمودي قصير آخر(ب)لفترة قصيرة على يمين التثبيت فإذا كانت العلاقات الزمنية ملائمة وبخاصة مابين انطفاء (أ)وظهور (ب)فإنه لايبدو للمشاهد أن الخطأ يظهر أولا ثم ينطفئ ويظهر الخط ب ثم ينطفئ وهكذا بل يظهر كما لو لم يكن هناك سوى خط واحد يظهر أولا في موقع الخط أ ثم يقفز ويتحرك إلى موقع الخط ب والحركة الظاهرية التي تبدو وكأنها حركة لجسم واحد تتفق مع موقف المثير الذي ينظر إليه وكأنه يتكون جزءاً فالكل الذي ندركه أو الانطباع بأن هناك جسما واحدا فقط يتحرك من موقع لآخر لايمكن بأي حال من الأحوال التوصل إليه عن طريق العناصر أو المثيرات الحسية التي تكون هذا الكل.والحقيقية أن هذه الظاهرة كان قد كشف عنها عالم الفيزيولوجيا البلجيكي بلاتو في بداية القرن التاسع عشر. إذ توصل إلى أن عرض الصور الساكنة بوساطة جهاز خاص*جهاز قياس سرعة التردد 'stroboscope' يحدد تعاقبها ويتحكم بسرعة عرضها يحمل المشاهد إلى رؤيتها كأشياء متحركة. وحينما قرر ورتايمر دراسة هذه الظاهرة كان هدفه معرفة الشروط التي تجعل الإنسان يدرك الصور الساكنة وكأنها تتحرك. ولهذا عمد إلى تبسيط مخطط تجاربه إلى الحدود الممكنة.ولعل الشيء الأكثر إقناعا بالمقولة الجشطالتية يتمثل في التوصل إلى ذلك الإدراك الذي يتأتى عندما لا تؤدي العلاقة الزمنية إلى هذا النوع من الحركة في صورتها المثلى فلو كانت الفترة الزمنية ما بين انطفاء أ وظهور ب أطول قليلا من الوقت اللازم للحركة التي أوضحناها فيما سبق فإن المشاهد سيرى مجرد حركة بمعنى أن أ لن يبدو وكأنه يحل محل ب ولكن الخط أ سوف يظهر في محله في حين أن الخط ب سيظهر في مكانه منفصلا ومع ذلك فسيظهر هناك نوع من الخيال للحركة البحتة بدون أن يكون هناك أي جشم ينقل هذه الحركة وهو أبي الذي سيبدو أنه ينتقل من أ إلى ب وقد أطلق فرتيمر على هذا النوع من الخداع الحسي حرف فأي phi (بدأت حركة الجشطالت عندما كان فيرتهيمر مسافر في القطار في ألمانيا وشاهد بعض الإعلانات الضوئية حيث لاحظ أن مجموعات المصابيح التي يضيء بعضها بينما ينطفئ البعض الآخر في سرعة محددة فإنها تعطي المشاهد الانطباع بأنها تتحرك.) وهذا ما يعرف بظاهرة الفاي وهي تعني إذا رأت العين مثيرات بشكل معين فان هذه المثيرات يمكن أن تسبب خداعا حركيا,وهو الحرف الأول من كلمة phenomenon وكان من رأيه أن مثل هذه التجربة لا يمكن اعتبارها كمجرد مجموع للتجربة الحسية أحدثها المثيرات أ و ب .وفي عام١٩٢٣نشر فرتيمر بحثا آخر ضم بذور نظرية علم النفس الجشطالتية يتعلق بمبادئ التنظيم .أما كيرتكوفكا الذي كان أول من قدم المنهج الجشطالتي إلى علم النفس الناطق باللغة الإنجليزية فقد اشترك مع طلبته في عشرات التجارب التي أوحى بها التفكير الجشطالتي كما قام بإعداد كتاب مبادئ علم النفس الجشطالتي وهو أكثر الكتب تفصيل للنظرية الجشطالتية وهو مسح أكاديمي للكثير من التجارب والإسهامات النظرية التي قام بها المنظرون الجشطالت وطلبتهم خلال عقدين ونصف من تاريخ المدرسة الجشطالتية. وفي نفس الوقت الذي كان فرتيمر وكوهلر وكوفكا يمثلون الميدان التقليدي للتجارب السيكولوجية قام كيرت ليف بدراسة أثر النظرية الجشطالتية في مجالات الدافعية والشخصية وعلم النفس الاجتماعي
مستويات الإدراك: هناك ثلاث مستويات للإدراك تتمثل فيما يلي:
الإدراك الحسي:الإحساس يسبق الإدراك في تلقي المؤثرات الخارجية بالحواس المختلفة مما يؤدي إلى إدراكها والتي قد تكون بصرية أو سمعية حسب نوعها. فحين تطرق المنبهات الحسية حولها ينقل أثر هذه التنبيهات عن طريق أعصاب خاصة إلى المراكز العصبية في المخ ثم تترجم هناك إلى حالات شعورية نوعية بسيطة إلى ما يعرف بالإحساسات.ويعنى بها الأثر النفسي الذي ينشأ مباشرة عن تنبيه حاسة أو عضو.[1] ويمكن تقسيم هذه الإحساسات إلى ثلاثة أنواع: الأولى تتمثل في الإحساسات الخارجية المصدر مثل البصرية والسمعية والجلدية والشمية والذوقية ، والثانية تتمثل في إحساسات حشوية المصدر وتتصل بالمعدة والأمعاء والرئة والقلب والكليتين مثل الإحساس بالجوع والعطش وغثيان النفس أو انقباضها، والثالثة تتمثل في إحساسات عضلية أو حركية المنشأ ينجم عن تأثير أعضاء خاصة في العضلات والأوتار والمفاصل وتمنحنا معلومات عن ثقل الأشياء وضغطها وعن وضع وحركة الأهداف وتوازن الجسم. إلا أنه لا يجب التوقف عند هذا الحد وإلا لن نستطيع التكيف مع البيئة وعلى سبيل المثال لو أنك قابلت في الطريق نمرا ولم يصبك من مروره إلا بضعة ألوان جذابة وأصوات ورائحة من خلال الإحساس فقط فلن تحرك ساكنا تجاه أما إدراكناالذي يتلو إحساسنا السابق به إدراكا واقعيا أنه حيوان ذا صفات تنطوي على معنى خطير فهذا الإدراك العقلي هو الذي يؤدي بنا إلى ما يطلق عليه بالسلوك اللائق به كذلك ينطبق الأمر على اللون الأحمر الخاص بالإشارة فما يحدث أن الإدراك الحسي يتبع ذلك ليعمل العقل في الواقع بتحويل هذا الإحساس إلى رمز يفيد معنى عقلاني مؤداه التوقف عن السير.وهنا نخلص إلى تعريفه فهو العملية العقلية التي تنتج من الإحساس. وهذا ما نجده في مجال الإعلام والاتصال فلو نظر الدارس إلى صفحة الجريدة مثلا فلم يحس إلا بإحساسات بصرية فلن يخرج منها بشيء ولكن على القائم بالاتصال أن يدرك عقلانيا فيما وراء ذلك من رموز تفيد معان عقلية متعددة.
التذكر والتصور:هو عملية عقلية ترتبط بوظائف معرفية وتندرج ضمن ما يطلق عليه بالقدرات العقلية الخاصة، وإن كان لها صفة التميز لدى الفرد فيمكن أن يطلق عليها بقدرة نوعية تميز شخصه عن غيره والتذكر كعملية عقلية معناه استرجاع الخبرات الماضية إلى الذهن واستعادة ذكرها بالصورة التي سبق بها إدراكها، وقد يأتي التذكر بصورة مباشرة أو غير مباشرة وقد يكون هذا الشيء المتذكر على هيئة كلمات أو أشكال أو صور أو رموز أو وجوه.. وتتأثر قوة التذكر بثلاثة أبعاد هي أولا: البعد الفاصل بين الحوادث وتذكرها، بحيث إذا كان البعد الزمني قصير كانت عملية التذكر أوضح. ثانيا: أن الألوان المثيرة للانفعالات المصاحب للذكريات تؤثر في قوة عملية التذكر ووضوحها حيث يكبتها الفرد في اللاشعور. ثالثا: أن قوة عملية التذكر ووضوح أبعادها العقلية تتأثر بمدى الانتباه للموضوع الخاص بهذه العلمية والاهتمام به. وهنا يتضح أن التذكر يتضمن عمليتين أساسيتين هما " الاسترجاع والتصرف " فهو في معناه العام يعني استرجاع ما سبق أن تعلمناه واحتفظنا به ويختلف التعرف عن الاسترجاع في أن شعور الفرد بأن ما يدركه الآن هو جزء من خبراته السابقة وأنه معروف لديه وليس شيئا غريبا بمعنى أني أتعرف على هذا الشخص الواقف أمامي ، أتعرف على وجهه واسترجاع اسمه، ويلعب التذكر دورا جوهريا في مجال الإعلام فمثلا القائم بالاتصال يعتمد على عمليات الاسترجاع وتعرف على ما تتضمنه من معان عقلية تساعده في استرجاع ما تم التواصل معه خلال مواقف اتصاله الذي يسهل له انسياب التواصل والإعلام المترتب على المواقف السابقة، والفرق بين عملية التذكر والتصور أن التذكر تكون مواده موجودة في الذاكرة محفوظة تم قراءتها ورؤيتها أم في عملية التصور فهي لا تحمل فكرة مسبقة.
التخيل:يمثل حالة من إعمال الفكر والقوى العقلي التي تأخذ شكل التخيل وهي مرحلة أعلى من الصور لأنه يتناول الصور الذهنية بالمقارنة وإدراك العلاقات بينها وعمل تركيبات جديدة مبتكرة تختلف عن الصور السابقة، وعادة ما يتصف خيال المراهق باتساعه وغلبة الناحية الوجدانية عليه فنجده يضفي على قصصه الشاعرية التي تعكس نوع تفكيره وانفعالاته وعادة ما يتصل خيال المراهق بالجمال والبهاء وخاصة لدى البنات حيث يسبقن البنين في نمو خيالهن وخصوصيته ولعل هذا الارتباط في الواقع بين قدرة الفرد على التخيل وبين التفكير باعتبار أن التخيل هو قدرة عقلية فرعية تندرج تحته يمكن الاعتماد عليه بشكل إيجابي لصالح تنمية وتطوير السلوك التفاعلي والاتصالي بمعنى أن التفكير يساعد على تنمية قدرات القائم بالاتصال وتطويرها في اتجاه العمليات العقلية الابتكارية .
مبادئ النظرية الإدراكية:الفكرة الأساسية لها أن وسائل الإعلام ليست هي التي تصنع النظام الإدراكي للفرد بل تصنعه الخبرات السابقة والخصائص النفسية والجماعات المرجعية والأصدقاء. ركزت على النظام المعرفي الإدراكي للفرد وهو يختلف من فرد لآخر ووسائل الإعلام يجب أن تعرضه من خلال المبادئ الأساسية:
التعلم يعتمد على الإدراك الحسي: لما كان التعلم عملية اكتشاف للبيئة وللذات فإن مظهره الحاسم هو المظهر المعرفي ، والتعلم يعني اكتشاف طبيعة الحقيقة أو معرفة ما هو حقيقي. والتعلم متعلق بإدراك ما هو حاسم في أي موقف من المواقف أو معرفة كيف تترابط الأشياء والتعرف على البنية الداخلية للشيء الذي على المرء أن يتعامل معه، وما تتعلمه عن مهمة محددة هو الوظيفة المباشرة لكيفية رؤيتك لذلك العمل، وإذا لم تكن المشكلة التي تعرض عليك ذات معنى أي إذا كانت بنيتها الداخلية تبدو مبهمة عليك أو إذا ما بدت لك خليطا غير منتظم من الارتباطات الاعتباطية كأن تكون على سبيل المثال مجموعة من الأسماء أو المعارك أو التواريخ التي يطلب منك حفظها في درس من دروس التاريخ يعطيه لك مدرس يؤمن بالتكرار والحفظ المجرد فإن إدراكك لهذه المادة سيظل غير منتظم وغير متميز وباهت أما إذا كنت قادرا على فهم التفاصيل ورؤية كيف يؤدي شيء إلى شيء آخر أو كيف يؤدي حدث إلى حدث آخر بسرعة فإن هذا الفهم لهذه المادة هو أيضا ما تتعلمه عنها، والشيء الذي تتعلمه يتواجد أولا في الإدراك أو المعرفة قبل أن ينتقل إلى الذاكرة ومن هنا فإن فهم ما في الذاكرة يتطلب فهم المدخلات الأساسية التي يبنى عليها الفهم والإدراك في وقت من الأوقات يحدث أثرا يترسب في الذاكرة وعملية إحداث الأثر في الذاكرة وهو ما يقابل الأحداث المدركة أو المعروفة هذه العملية هي التي تجعل التذكر أمرا ممكنا وإذا لم تدرك الشيء في المقام الأول فمن الواضح أنك لن تستطيع أن تتذكر أي شيء عنه ، أما كيف تدرك شيئا ما فهو الأمر الذي يؤثر تأثيرا مباشرا في كيفية ترميزه في الذاكرة وهكذا فمن البديهي القول إن ما هو موجود في الذاكرة لا بد من أن يكون قد قدم بشكل محسوس أو مدرك أو معروف فالإدراك يحدد التعلم حيث يشكل أهم العمليات العقلية التي تساهم في تعلم الإنسان ولذلك اهتم الكثير من علماء الجشطالت وأتباعهم بدراسة الطبيعة العملية للإدراك والعوامل المؤثرة فيه واشتقت أهم المفاهيم والمبادئ والقوانين المتعلقة والمرتبطة بالتنظيم الإدراكي.
الكل أكبر من مجموع الأجزاءوإدراكنا للكليات يسبق إدراكنا للجزئيات المكونة لها . إدراك الكل يسبق إدراك الأجزاء .
الإنسان كل وأعمق من أن يعمل متفرد ،تناغم الأجزاء يجعل النظرة للكل أعمق من الأجزاء ،يجب أن تكون نظرتنا للأشياء المجموعة ليس مجموع أجزاء بل يجب أن يكون أعمق من ذلك أي في تناغم وتنظيم معين لو اختل جزء منها اختل البقية ،مثلا اللوحة أعقد من أنها شيء مجمع من عناصر جزئية ، فالإنسان مثلا يشكل مجال نفس بيولوجي مميزا وحتى نفهم طبيعة أو شخصية هذا الفرد يتوجب منا التركيز على فهم كله دون أعضائه الجزئية واحدة بعد الأخرى لأن الكل في نظرهم هو أكث تنظيما وجدوى إدراكية من مجموع الأجزاء الفرعية المكونة له .
يجب أن تكون نظرتنا للأشياء الحية والجامدة أكبر بكثير وتسبق النظرة التحليلية للأجزاء أو التجزئة، لذا تفسيرهم للتعلم تفسير كلي: نتعلم الجملة ثم الكلمة ثم الحروف عكس النظرة الجزئية: الحروف ثم الكلمة فالجملة
أنّ للعقل دور إيجابي نشيط في تنظيم وتبسيط اكتساب المعلومات الحية واكتساب المعاني والخبرات وليس دور سلبي كما يظن السلوكيون واعترفوا بدور العقل واعتبروه المحرك الرئيسي في تنظيم واكتساب المعلومات أي "التعلم". فبينما يرى السلوكيون أن العقل في نظام السلوك الإنساني لا يتعدى دور مقسم أو سنترال الهاتف بحيث يستقبل ويرسل الخبرات الحسية البيئية فإن الجشطالت يرون أن العقل عامل أساسي في تنظيم ومعالجة هذه الخبرات بحيث تبدو بصيغ كلية مختلفة عن أجزائها الحسية وأكثر فائدة ومعنى من مجموع هذه الأجزاء المنفردة
ولقد جاء موقفهم كرد فعل للنظريات السلوكية ' الإرتباطية ' وذلك لأن هذه الأخيرة نادت بكون التعلم يحدث نتيجة ارتباط بين مثيرات واستجابات وقالت بأن الإدراك ما هو إلا نسخة طبق الأصل للشيء المدرك أي تجميع آلي للأشياء التي يدركها الشخص فنظرية الجشطالت وهي من النظريات المعرفية بدأت فكرتها كما سبق ذكرها من خلال العالم النفسي ماكس ويرثمرالذي لم يكن مقتنعا بنظريات علماء النفس السلوكيين لأنه اعتبرها مجرد جمع ولصق لعناصر مختلفة فكان اعتراض النفس على النظريات السلوكية يشمل عدة نقاط وهي كالتالي :
· انتقدوا الاتجاه نحو تفتيت الإدراك إلى جزئيات صغيرة فالفرد يدرك الموقف كوحدة واحدة وليس كجزئيات مثل النظر إلى لوحة فنية حيث يدركها الناظر كلوحة واحدة وليس الألوان وحدها والأرضية وحدها..
· خالفوا السلوكيين في قولهم بأن التعلم هو سلسلة من الأقواس العصبية التي تربط بين المثير والاستجابة فقط
· يؤكد الجشطالت على ضرورةعدم فصل الكائن الحي عن بيئته لأن سلوك الإنسان إنما ينتج عن تفاعل الفرد مع بيئته الطبيعية والاجتماعية وأن إهمال الناحية السيكولوجية في سلوك الإنسان على جانب كبير من الخطورة ، فالكائن الحي والبيئة يوجدان في علاقة متبادلة أو علاقة ثنائية ويجب أن يعثر الكائن الكي على إشباع لحاجاته في البيئة وهو يتحرك نحو العالم ليقوم بهذه الإشباعات من خلال عملية الإحساس للتوجه والعمليات الحركية للتحكم ونقطة التفاعل بين الفرد والبيئة تمثل حدود الاتصال ودراسة أداء الكائن البشري في بيئته إنما هي في الواقع دراسة لما يجري عند حدود الاتصال بينهما وتعتبر أفكارنا وأفعالنا وسلوكياتنا وعواطفنا هي وسيلتنا لمعايشة ومواجهة هذه الأحداث الخاصة بالحدود.
· اهتمت مدرسة الجشطالت بتنظيم الموقف أو المجال وقت حدوث السلوك ، ويعتبر أثر ذلك التنظيم أهم من الخبرات السابقة ، ولذا فقد انتقد الجشطالت أصحاب نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ في تفسير سلوك الفرد على أساس عاملين فقط هما الاستعداد الفطري ممثلا في الدوافع والحاجات من جهة والخبرة السابقة من جهة أخرى ، بينما يرى أصحاب مدرسة الجشطالت أن هذان العاملان غير كافيان لتفسير سلوك الفرد بل يجب أن نضيف إلى ذلك عاملا آخر هو العامل الديناميكي الذي يؤدي إلى تفاعل القوى المختلفة في المجال أو الموقف وقت حدوث الإدراك ، ولا ننسى إعادة التنظيم فالصورة المألوفة للتعلم هي مسألة الانتقال من حالة يكون شيء ما فيها لا معنى له أو من حالة توجد فيها ثغرة لا يمكن التغلب عليها أو حالة يبدو فيها الموقف كله غامضا إلى حالة جديدة يصبح فيها للأشياء معنى حيث يصبح الموقف في غاية الوضوح وهذا يعني في صورته أن الإدراك قد تمت إعادة تنظيمه بحيث أن مفهوم المشكلة لم يعد يتضمن الثغرة المزعجة أو انعدام المعنى في التصور السابق.
· ولقد ساهم الجشطالت بنصيب وافر في دراسة وفهم طبيعة عملية التعلم بالاستبصار وهم لا ينكرون كلا من :
التعلم عن طريق المحاولة والخطأ لثورنديك
التعلم عن طريق تكوين رباط شرطي بين مثير واستجابة لبافلوف
إنما يقولون أن نتائج كليهما وغيرهما لا يمكن أن تنطبق على عملية التعلم بصفة عامة أي لا يمكن التعميم وأن هذه التجارب أمثلة خاصة لا تقبل التعميم بحيث تشمل جميع الكائنات والمواقف التعليمية.
قواعد التنظيم الإدراكي المساهمة في التعلم بالإستبصار:
قانون التقارب: فالمنبهات الحسية المتقاربة في المكان أو الزمان تبدو في مجال إدراكنا وحدة مستقلة وصيغة بارزة قبل إدراك العناصر أو الأجزاء المكونة لها مثلا : عند دخول المسجد في الصلاة من السهل إدراك عدد الصفوف قبل إدراك ومجمل ما عناه الجشطالتيون بهذه القوانين هو أن الفرد ينزع إلى إدراك الأشياء بصورة كلية ومتوازنة وحسنة بفعل العمليات والفيزيولوجية الفطرية التي يقوم بها الدماغ. فالصورة ندركها كاملة ولو تخلّلتها فجوات أو ثغرات أو حتى إذا كانت مجرد خطوط متقطعة. كما ننزع إلى الربط(الإغلاق) بين النقاط الموجودة أمامنا على الورقة وإدراكها كشكل هندسي. ونؤلف بين الأشياء القريبة بعضها إلى بعض في صورة كلية.
مكانة النظرية الجشطلتية في الوقت الحاضر:
ازدهرت النظرية الجشطالتية في ألمانيا خلال العشرينات وأوائل الثلاثينات وأصبحت بعد ذلك مدرسة رئيسية من مدارس علم النفس في أمريكا في فترة أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات ، ومعظم الأبحاث التي أوحت بها الطرية الجشطالتية كانت تنشر في مجلة كان يحررها علماء النفس الجشطالتيون تدعى البحث السيكولوجي منذ أوائل العشرينات وحتى منتصف الثلاثينات. ومع أن هذه المجلة قد توقفت مؤقتا خلال الحرب العالمية الثانية إلا أنها بعثت من جديد وأصبح محتواها أقل ارتباطا مباشرا بالنظرية الجشطالتية عما كان عليه في سنواتها الأولى..
وقد توقفت النظرية الجشطالتية عن كونها مدرسة خاصة وقوية ومترابطة بعد وفاة أصحابها الرئيسي خلال الأربعينات بدءا بكوفكا ثم فرتيمر وأخيرا ليف واستمر كوهلر كبطل رئيسي من أبطال الحركة حتى توفي هو الآخر في أواخر الستينات ولم يكن حماس الجيل الثاني من المنظرين الجشطالت في انتمائهم إلى النظرية على ما كان عليه حماس الثلاثة الأصلي ومن الواضح أنهم كانوا ينظرون لأنفسهم كعلماء نفس جشطالتي ومن بين أفراد هذا الجيل ولفجانج ميتزجر الذي كان مبرزا بين علماء النفس الناطقين باللغة الألمانية وفرتز هيدر الذي لحق بفرتيمر وكوهلر عام 1921 وتلميذه كوهلر ماري هنلي وتلميذا ليف روجر باركر ودورين كارترايت وغيرهم كثيرون ولكن المدرسة الجشطالية أصبحت أكثر انتشارا حقيقة كان هناك علماء جشطالتيون في عام 1980 ولكن معظمهم كانوا ينظرون لأنفسهم كباحث سيكولوجي يهتمون بعلم النفس في مجالات المعرفة أو التعلم أو الظواهر الاجتماعية أو التفكير أكثر من كونهم علماء جشطالتي في المقام الأول . فتأثير النظرية الجشطالتية على الوضع الراهن لعلم النفس هو تأثير ضمني أكثر منه تأثيرا صريحا رغم أنه لا زالت توجد دراسات متأثرة تأثر مباشرا بالنظرية الجشطالتية مثل النتائج التي توصل إليها بومرانتز وسيجر وستويفر عام 1977 والتي تقول بأن بعض أجزاء الأشكال الهندسية التي تعرض بصورة مرئية يسهل التعرف عليها فيما لو قدمت كأجزاء من أشكال أكبر وأكثر يسهل التعرف عليها لو قدم كل منها بصورة منعزلة. والأبحاث الحديثة التي جرت على المشكلات ومعالجة المعلومات وعلم النفس المعرفي تتحسن طريقها بصورة أكثر عمقا في القضايا التي أثارها علماء النفس الجشطالتيون قبل نصف قرن كما أن معظم الباحثين الحاليين على هذه المحاولات يدركون إسهام التراث الجشطالتي في الطريقة التي يجري من خلالها تناول المشكلات في هذه المجالات صحيح أن تكنولوجيا الكومبيوتر المعقدة قد حلت محل بطاقات الفهرسة ذات الرسومات المخطوطة بالحبر الهندي الأسود كما حلت المعادلات الرياضية محل الصيغ الكلامية الأقل دقة في النظريات التي تتناول الظواهر المعرفية ولكن هذه الطرق الحديثة ليست بعيدة كثيرا في مفاهيمها عن الأفكار الجشطاليتة الأصلية وصحيح أيضا أن مشكلات تنظيم التفكير والذاكرة ومشكلات بنية مفاهيم الناس عن عالمهم ودور المعاني في عملية التعلم وحل المشكلات قد غدت كلها أكثر وضوحا عما كانت عليه قبل بضع عقود مضت ولكن مبادئ التربية الجشطاليتة لعبت وتلعب دورا رئيسيا في السياسات التربوية وممارساتها في السنوات الأخيرة فالرياضيات الحديثة وغيرها من البرامج التعليمية التي جرى تطويرها خلال الخمسينات والستينات والتي تم تطبيقها في طول الولايات المتحدة الأمريكية وعرضها وفي الخارج كانت معظمها مبنية على التعلم القائم علة الاكتشاف وعلى سياسات تعليمية تقوم على مبادئ شبيهة بتلك التي يمكن تتبع آثارها في الحركة الجشطاليتة بصورة مباشرة .
تتطلب منه الفهم والتحليل وأحيانا الاستجابة الفورية، وما ساعده في ذلك القوى العقلية التي فطر عليها والتي تقوم بعملية الإدراك.
فعند استقبال مثير معين فجميعنا يحقق الفهم ولكن هل يصل جميع الأفراد إلى نفس الإدراك ؟وهل ندرك هذه المثيرات بنفس الطريق؟
فلو تأمل عدد من الأفراد لوحة تشكيلية مرسومة بالزيت، فإن من المتوقع أن يفهم كل منهم هذه اللوحة بطريقة مختلفة عن الآخر وذلك لأن خبراتنا السابقة مختلفة وطرق معالجتها للمعلومات لربما تكون مختلفة أيضا مما يعني أننا عند محاولة إدراك مثير ما فإننا نفرض على هذا المثير نظاما خاصا ونضفي عليه مما في داخلنا ليسهل علينا التعامل معه وضبطه وتوجيه .
وعملية الإدراك جزء مهم من نظام المعلومات حيث ينطوي هذا النظام على عمليات الإحساس بالمثيرات البيئية ثم الانتباه لها ثم إدراكها ، لذلك فإن وظيفة الإدراك هي تحليل وفهم المعلومات الحسية القادمة من البيئة المحيطة والتي تم الانتباه لها إراديا أو لا إراديا.
لهذا نجد العديد من علماء النفس من المهتمين بتفسير عملية الإدراك بتجارب عديدة كرست في الغالب على أنواع مختلفة من الحيوانات ذلك لأن سلوك الحيوان بسيط وسلوك الإنسان معقد، والعلم ينتقل دائما من البسيط إلى المعقد وبالرغم من أنهم توصلوا إلى نتائج إلا أنهم اختلفوا في تفسيرها كل حسب طريقته الخاصة في ذلك ومن بين أهم النظريات التي لقت صدى واسع من خلال تجاربها نجد النظرية الإدراكية
أو ما تسمى بالجشطالتية التي سنحاول التطرق إليها في بحثنا هذا من خلال البدء أولا بماهيتها من حيث المفاهيم ، النشأة والمبادئ ثم الانتقال من المجال النظري إلى التطبيقي من خلال التجارب التي أسس لها في هذا المجال والنتائج المرجوة منها و في الفصل الأخير سنتحدث عن التطبيقات المهمة في النظرية الإدراكية وتقييمها.
لفصل الأول: ماهية النظرية الإدراكية:
تحديد المفاهيم:
مفهوم النظرية:هي عبارة عن جهود وأبحاث مجموعة من الباحثين حول موضوع معين.
عبارة عن مجموعة من المفاهيم والتعريفات والافتراضات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة ما عن طريق تحديد العلاقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بتلك الظاهرة، وهذا بهدف تفسير تلك الظاهرة والتنبؤ بها مستقبلا.
مفهوم الإدراك:يعرفه أندرسون على أنه " محاولة تفسير المعلومات التي تصل إلى الدماغ ".
يعرفه سولسو على أنه " فرع من فروع علم النفس يرتبط بفهم المثيرات الحسية والتنبؤ بها.
هو التعرف إلى العالم الخارجي طريق المثيرات الحسية المختلفة. وهو استجابة لمثيرات حسية معينة عندما تمر بإحدى حواسنا في لحظة إحساس معينة فإنها تقودنا إلى إدراك ما نحسه ونفسره ونفهم مصدره وهنا أشياء تفرض وجودها علينا فرضا فتجذب انتباهنا دون غيرها مثلا: عندما نبحث عن صورة شخص معين بين مجموعة صور من الأرشيف فإننا نهمل بقية الوجوه .
مفهوم النظرية الإدراكية: 'الجشطالتية':
أصل الكلمة: أصل هذه الكلمة ألماني مشتقة من كلمة gestalt حيث تعني في أصلها شكل SHAPEوتؤدي في غالبها معنى الصيغة أو النمط. وترجع هذه التسمية إلى أن دراسات هذه المدرسة للمدركات الحسية بينت أن الحقيقة الرئيسية في المدرك الحسي ليست هي العناصر أو الأجزاء التي يتكون منها المدرك وإنما الشكل أو البناء العام، مثلا: المثلث لا يتكون من ثلاث أضلاع وثلاث زوايا مجتمعة مع بعضها البعض. والدليل على ذلك أنه لا يمكن أن ندرك المثلث من ثلاثة خطوط موضوعة في أي وضع أو ثلاث زوايا منفردة فالعلاقة العامة أو الصياغة الكلية عند جماعة الجشطالت هي الناحية الرئيسية الأولى بالاهتمام.
ضمنيا:هي كل متكامل يتضمن النظرة إلى الكل وليس إلى الجزء حيث عرفها ليفن على أنها ' تنظيم عام تكون جزئياته مرتبطة ارتباطا فعالا بحيث إذا تغير أحد أجزائه يتبع هذا التغيير تغيير في الشكل الكلي العام '.
هي دراسة الإدراك و السلوك من زاوية استجابة الكائن الحي لوحدات أو صور متكاملة مع التأكيد على تطابق الأحداث السيكولوجية والفسيولوجية ورفض اعتبار الإدراك مجرد مجموعة استجابات صغيرة أو متناثرة لمثيرات موضعية.
إسقاط التعريف على وسائل الإعلام: هي التي ترى أن الفرد عند تلقيه رسالة إعلامية أو مادة إعلامية يدركها بصفة متكاملة أي لا يدرك أجزاء كل على حدة فهو لا يدرك الجزء ثم الكل بل بصفة عامة.
المفاهيم الأساسية للنظرية الإدراكية:
الجشطالت: gestalt إن المفهوم الأساسي في النظرية الجشطالتية لا يمكن لسوء الحظ ترجمته إلى الإنجليزية والعربية أيضا ترجمة دقيقة وبطبيعة الحال فإن هذا هو سبب بقاء الكلمة الألمانية ، وهي جزء من مصطلحات علم النفس الفنية المستخدمة عالميا والكلمة تعني أقرب ما يكون الصيغة أو الشكل أو النموذج أو الهيئة أو النمط أو البنية أو الكل المنظم الجشطالت كل مترابط الأجزاء باتساق أو انتظام أو نظام فيه تكون الأجزاء المكونة له مترابطة ترابطا ديناميكيا فيما بينها وفيما بينها وبين الكل ذاته أو قل هو كل متكامل كل جزء فيه له مكانة ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل، الجشطالت هو النقيض للمجموع إذ أن المجموع ليس أكثر من حزمة من الأجزاء أو سلسلة من القطع التي قد تكون مشبوكة أو ملصقة بعضها ببعض بطرية عشوائية.
البنية أو التركيب: لكل جشطالت بنية متأصلة فيه وتميزه عن غيره والحقيقة أن مهمة النظرية الجشطالتية تتمثل في وصف البنى الطبيعية بطريقة لا تشوه أصولها ومعظم أنواع الجشطالت لها قوانينها الداخلية التي تحكمها فبنية الجشطالت النمطي تقوم على طريقة ما بحيث يؤدي تغيير أي جزء من أجزائها إلى تغيرات حتمية في الغالب على تلك البنية. أما أجزاء الجشطالت نوع دي 7 وهي نغمة مسيطرة تتطلب نبرة جي G الوترية في الموسيقى الكلاسيكية ولذلك تكون مختلفة عن كونها النغمة الثالثة في وتر ثانوي من نوع A أو عندما تكون النبرة التي تعزف عليها القطعة الموسيقية على مفتاح سي.
الاستبصار:insight إن تحقيق الانطباع الصادق عن حالة إشكال ما أمر حقيقي من وجهة نظر الجشطالت في التعلم ويتمثل ذلك في اكتساب الاستبصار في البنية التي يكون عليها موقف مشكل وفهم ترابط أجزائه وطريقة عمله وكيفية التوصل إلى الحلول المناسبة له ولن يكون التعلم في صورته النمطية قد تم إذا لم يتحقق مثل هذا الاستبصار.
" إدراك العلاقة بين جزئيات الموقف "الشكل وعناصره إدراك صحيحا ولكن هذا الفهم الصحيح يكون فجائي ،أي الوصول إلى حل للمشكلة يكون فجأة ويرى الجشطالت أن أي تحسن في التعلم هو تحسن في تنظيم المجال الإدراكي.
وهو مجرد الفهم للموقف وكيفية الوصول للحل وقد يقصد به الطريقة التي تعالج بها مشكلة بالبحث عن العلاقات الداخلية والمبادئ الرئيسية ولكن هناك تعريف أكثر دقة من ناحية نظرية الجشطالت حيث يمكن القول بأنه يعني إدراك مفاجئ للعلاقات بين عناصر أو جوانب الموقف التعليمي نتيجة إعادة تنظيم تلك العناصر بشكل جيد، وهو دليل على أن الفرد فهم المشكلة وعرف ما يجب عمله لحلها ومما يؤكد أن الحل المفاجئ يأتي كمحاولة صحيحة بعد المحاولات الفاشلة من خلال ملاحظة الكائن الحي الذي لا يكرر المحاولات الفاشلة .
الفهم:understanding :إن الاستبصار هو تحقيق الفهم الكامل للأشياء ويكون التعلم قد تم حصوله إذا كان هناك استبصار أو فهم والفهم هو الهدف من التعلم
التنظيم:organisation تنظيم بنية الجشطالت بطريقة خاصة مميزة وفهم تلك البنية يعني تفهم طريقة تنظيمية وقد كان تكوين مبادئ التنظيم الجشطالتي للإدراك إسهاما رئيسيا لهذه المدرسة وقد انتقلت هذه المبادئ مباشرة إلى سيكولوجية التعلم ولما كانت معرفة الجشطالت أو استبصاره تعني أن يكون العارف له مطلعا على بنيته وعارفا بكيفية تنظيمه فإن مبادئ التنظيم الجشطالتي تصبح من الأمور الأساسية لسيكولوجية التعلم، أما كما هي لسيكولوجية الإدراك.
إعادة التنظيم:reorganization إذا استطاعت الكائنات الحية إدراك وفهم كل موقف جديد بصورة مباشرة وصحيحة وبدون أية مصاعب فمعنى هذا أنه لا توجد حاجة للتعلم ولكن الكثير من المشكلات تتم بصور يصعب عمل أي شيء إزاءها أو حلها إذا ما واجهناها لأول مرة بل وقد تبدو المشكلة لأول وهلة غير قابلة للفهم ولا معنى لها أو أنها غامضة ولا يصبح الحل ممكنا إلا إذا أمكن التعرف بوضوح على الملامح الرئيسية للمشكلة وظهرت بعض الدلائل التي تجعل من الحل أمرا ممكنا وهكذا فإن التعلم غالبا ما ينطوي على تغيير إدراكنا الأولي للموقف المشكل وإعادة تنظيم ذلك الإدراك حتى نحقق النجاح وبذلك نجد الطريق للتعامل مع المواقف وإعادة التنظيم في صورته النمطية يعني استبعاد التفاصيل التي لا جدوى من ورائها وتصبح الملامح الرئيسية للمشكلة بارزة ونرى المشكلة أكثر وضوحا
المعنى:Meaning: إن التعلم الحقيقي لا يتطلب إقامة ارتباطات تحكمية بالعناصر غير المترابطة بل إن السياق التعلمي النمطي ينطوي على الانتقال من موقف تكون الأشياء فيه لا معنى لها أو ذلك الموقف الذي يكون فيه التحكم هو القاعدة السائدة إلى موقف له معنى تكون فيه العلاقات بين الأجزاء مفهومة وتعني شيئا فخاصية المعنى أو مفهومه وليس مجرد الارتباط الأعمى هو الذي يمثل السمة المميزة للتعلم الحقيقي.
الانتقال:Transfer: إن الاختبار الحقيقي للفهم هو إمكانية انتقال الاستبصار الذي تم الحصول عليه إلى مواقف أخرى تشبه في بنيتها الموقف الأول ولكنها لا تختلف عنه إلا في التفاصيل السطحية فالتعلم الأعمى القائم على الارتباط من غير المحتمل أن يكون قابلا للتعميم إلى المواقف الأخرى ذات الصلة أو المشكلات المشابهة والاستبصار الحقيقي هو الذي ينتقل إلى المجالات المرتبطة به.
الدافعية الأصيلية:Intrinsic Motivation: إن تحقيق الاستبصار من أهم أشكال المكافأة الأصيلة في جميع التجارب وهذا يعني أن اكتساب الفهم أو الكفاءة يمثل أهم أشكال المكافأة ومن هنا فإن استخدام المكافأة الخارجية وأشكال التعزيز غير المترابطة ارتباطا مباشرا ومتداعيا بالعمل المحدد ذاته الذي نتعلم عنه شيئا أمر ينبغي عدم تشجيعه وإيقافه فالدافع الأصيل لمحاولة عمل شيء له معنى من شيء جديد كاف في حد ذاته ويؤدي إلى التعلم أما الدافع الخارجي فمن المحتمل أن يؤدي إلى التشويش وإلى الاهتمام بشيء لا علاقة مباشرة بينه وبين العمل التعلمي ذاته.
الأصل التاريخي للنظرية الإدراكية:
لم تكن الجشطالت وليدة العقد الأول من القرن العشرين ولم تكن بالمنبع الألماني الأول الذي أورد العالم بحيوية جديدة في ميدان علم النفس خاصة في مجال الإدراك وإنما قد تشعبت بها سبل الماضي وإن كان هناك اتفاق على مبدأ الكلية فلا يأتي باحث بنقض ما أخطه من رأى أرسطو لأنه أقرب للفلسفية منه إلى مجال السيكولوجي كحقل علمي تجريبي وإنما شفيعي في ذلك أن لكل نظرية جذور ما هي إلا أفكار أو إرهاصات تتحاملها الأزمنة إلى أن تستقر وتنضج في الشكل المسمى لها والمتعارف عليها . لقد ذهب العقل اليوناني في العصور القديمة إلى رأيه في المسألة الكلية في إطار دراسته للعالم والهيولي والحكمة فرأى أرسطو أن الكائن الأول ينبغي أن يكون واحدا غير متجزئ لأن الأجزاء تسبق الكل المتجمع منها .وكان لعلماء المسلمين ثمرة في العلم بأمر الكلية فإن ابن سينا يرى أن الإنسان والحيوان وحده هو الذي يدرك الكليات بالنفس الناطقة فالإحساسات المختلفة تجتمع في الحس المشترك ويحدث عن ذلك الإدراك الحسي ، فهو بمثابة مركز الحواس الظاهرة،] وفي مقايسة أبي حيان التوحيدي في الفرق بين الكلى والكل يرى أبو سليمان أن الكل إن رفع منه واحد من أجزائه بطلت صورة الكل .ومع توالى الدهور جاء كانط بوحدة الفعل الإدراكي ، فإننا ندرك أشياء يمكن أن تقسم إلى أجزاء و إن كانت هذه الأجزاء تنتظم بشكل قبلي ، ثم جاء بعد ذلك برنتانو الذي أكد على أن علم النفس علم دراسة الخبرات النفسية عملا وفعلا أكثر من كونه دراسة لمحتواها ، ، ولا ينكر أحد أن تقدم العلوم الطبيعية كان لهاأثر تاريخي بالنسبة للجشطالت فقد سعت العلوم الطبيعية إلي قوانين شمولية تنتظم تحتها موضوعات عديدة ، ففي مباحث نشأة العقيدة الإلهية عند الإنسان نجد أن جاء اعتقاده بكل آلهة قومه وأدرك كونها وأفعالها ولما كان التفكير لاحقا علي عملية الإدراك فقد انتقل من طور تعدد الآلهة إلي طور التمييز والترجيح بينها ثم إلي طور الوحدانية .
وحتى ولهلم فونت يعترف بأن الكل العقلي قد يكون شيئا مختلفاعن مجرد مجموع الأجزاء المكونة له وهو يرى أن العقل يؤدي بالعناصرإلى عمل من التركيب الخلاق ( creative synthesis ) إذاماكان ذلك عن طريق عمليات الأحاسيس والارتباطات مما يؤدي إلى قيام الكل المتكامل الذي لا يشبه تماما مجموع العناصر التي تكونه ومع ذلك فإن المناخ الذي ساد علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر كان إذا ما أردنا وصفه على صورة مبسطة يتمثل في أن الكل بصورة عامة ليس أكثر من مجموع أجزائه. ولكن البحث المشهور الذي أعده كريستيان فون اهر ينفلز عام ١٨٩٠ كان يرى أن معظم الكليات العقلية هي أكثرمن مجرد مجموع أجزائها فالمثلث ليس مجرد مجموع ثلاثة خطوط مستقيمة وثلاث زوايا مناسبة ولكن المثلث هو مجموع هذه العناصر الستة مضافا إليها عنصرا سابعا ألا وهو» الصفة الجشطالتية « أوالصفة الشكلية للمثلث. والواقع أن اهرينفلز يشيرإلى أنه يمكن لنا أن نغيرالعناصر الستة الأولى إلى حد كبير بدون أن يفقد الشكل صفته كمثلث، فالمثلثات تأتي على أشكال وأحجام لاحصرلها وبالمثل فإن اللحن الموسيقي ليس مجرد اﻟﻤﺠموع الكلي للنغمات التي تكونه بل مجموع هذه النغمات مضافا إليها الصفة الشكلية الخاصة بذلك اللحن ذاته كما يمكن نقل اللحن إلى مقام موسيقي مختلف وذلك عن طريق تغيير جميع النغمات أو»عناصراللحن« ومع ذلك نظل نقول إن اللحن هو اللحن. وهكذا كان فون اهرينفلز يرى أن الكل أكثر من مجموع أجزائه. إنه مجموع أجزائه مضافا إليها الصفة الجشطالتية. هكذا كانت الأمور في بداية القرن العشرين وفي حوالي عام١٩١٠ اقترح ماكسفرتيمر تنظيما جديدا جذريا لوجهة النظر الكلية وهو التنظيم الذي أصبح فيما بعد في موضع القلبف يمدرسةعلم النفس الجشطالتية. وكان من رأى فرتيمر أن طريقة الجمع بأكملها طريقة خاطئة. فالكل غير مساو ﻟﻤﺠموع الأجزاء وليس كذلك مجرد مجموع الأجزاء مضافا إليها عنصر آخر أو الصفة الجشطالتية فالكل يمكن أن يختلف اختلافا تاما ًعن مجموع أجزائه. والنظر إلى الكل بطريقة الجمع أو كمجرد انه أكثرمن مجموع أجزائه نظرة غير ملائمة. فالكل منطقيا ومعرفيا سابق على أجزائه ،والواقع أن الأجزاء لاتصبح أجزاء ولا تقوم بوظيفتها كأجزاء حتى يوجد الكل الذي هي أجزاء له. وتزعم النظرية الجشطالتية أن الكل لا يساوي مجموع أجزائه كما انه (أي الكل) ليس مجرد أكثرمن أجزائه بل إن الكل له بنية وديناميكيات داخلية وهو ارتباط متكامل وهذا ما يجعله مختلفا اختلافا جذرياعن الشيءالذي ينظر إليه وكأنه مجرد مجموع أجزائه ، وقد أشير إلى هذه الطريقة أو لما أشير فيبحث قد مهفرتيمرعن الموسيقى البدائية نشر في مجلة مغمورة في عام١٩١٠في اقام فرتيمر بتطويرها في مقالة طويلة نشرهاعام١٩١٢ حول تفكير الشعوب»البدائية« في مجال الأرقام وتقدم هذه المقالة ثروة من الأمثلة الكثيرة التي توضح كم هو معقو لتفكير البدائي في مجال الأرقام وكيف انه تفكير أحسن بناؤه وأنه ملائم للمواقف التي يستخدم فيها. ويشيرالأوائل من أصحاب النظرية الجشطالتية إلى بحث آخر من أبحاث فرتيمر نشرفي١٩١٢ ( ٢) ويتناول بعض الظواهر الخاصة بالإدراك المتعلق بالحركة الظاهرية.
المنظرون الرئيسيون:
يعتبر ماكسفرتيمر ( ١٨٨٠ - ١٩٤٣ ) بصورة عامة مؤسس النظرية الجشطالتية وقدانضم إليه في وقت مبكر ولفجانج كوهلر ( ١٨٨٧ - ١٩٦٧وكيرتكوفكا ( ١٨٨٦ - ١٩٤١ ). وقد نشرالأخيران أبحاثا في النظرية الجشطالتية أكثرمن فرتيمر نفسه. وبعد عدة سنوات ارتبط كيرتليف ( ١٨٩١ - ١٩٤٧ ) بالثلاثة السابق وسارعلى منوالهم ولكن الطريقة التي تبناها وإن كانت متأثرة بالأسلوب الجشطالتي كانت مختلفة إلى الحد الذي حدا .عظم علماء النفس للاعتقاد بأنه كان مؤسس النظرية قريبة جدا من النظرية الجشطالتية وهي التي عرفت باسم نظرية اﻟﻤﺠال ( field theory ) أكثر من كونه من أصحاب النظرية الجشطالتية وفيما بعد ارتبط اسم كل من رود ولفارتيموسون إي بالنظرية ولدت النظرية الجشطالتية في ألمانيا وقدمت إلى الولايات المتحدة في العشرينات من القرن الحالي على يدي كوفكاوكوهلر. وفي عام١٩٢٤نشر أر. إم. أوجدن ترجمة إنجليزية لكتاب كوفكا Iوالعقل ( The Growth of the Mind ) وفي عام١٩٢٥ظهرت النسخة الإنجليزية للتقريرالذي يضم تجربة كوهلر المشهورة عن حل المشكلات عند الشمبانزي والتي أطلق عليها اسم عقلية القردة ( The Mentality of the Apes ). وأول المنشورات باللغة الإنجليزية من المنشورات الجشطالتية كان مقالة لكوفكا في عام١٩٢٢في النشرة المعروفة باسم النشرة السيكولوجية ( Psychological Bulletin ) وعنوانها»الإدراك مقدمة للنظرية الجشطالتية Perception An Introduction to the Gestalt) « Theory )وقد ترتب على هذا العنوان تاريخ طويل من سوء الفهم مؤداه أن النظرية الجشطالتية نظرية مرتبطة في الأساس بمجال الإدراك . (ومع أن الإدراك كان من المؤكد من بين الأمور الهامة التي يركزعليها الجشطالتيون بشكل تقليدي في عملهم إلا أن التفكير والمعرفة وحل المشكلات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي كانت من الأمورالتي تحظى بأهمية مماثلة ، وما أن حل منتصف عقد الثلاثينات حتى كان أصحاب النظرية
الجشطالتية الأساسيين الثلاثة-ومعهما ليف -قد هاجروا اإلى الولايات المتحدة ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه البلاد المقرالرئيسي
للنظرية الجشطالتية مع أنه وجد هناك الكثيرمن علماء النفس الذين ينتمون إلى الحركة الجشطالتية في بلاد أخرى في شتى أرجاء العالم: في اليابان و إيطاليا وفنلندا وألمانيا والهند وغيرها. كان ماكسفرتيمر مؤسس النظرية أول من أعلن المبدأ القائل بأن الكل سابق لجزئياته وأوردت مقالته( ٣) عن ظاهرة فاي (أي إدراك الحركة) Phi (Phenomenon ) أوالظاهرة الإدراكية الخاصة بظهورالحركة من مثيرات ثابتة وذلك حين تقديمها متتابعة فيوضع متجاورينو هذه الظاهرة هي التي تفسر لنا الحركة في الصور السينمائية) سلسلة تجارب أجراها عامي١٩١٠و١٩١١في أكاديمية فرانكفورت والتي جعل زميليه كوهلروكوفكا موضوع تجاربه، وثلث التجارب في سلسلة من التغيرات على نموذج أصلي من التصميم فيه يظهرفي بادئ الأمرخط عمودي قصير(ولنسمه أ)لفترة قصيرة على يسار نقطة تثبيت معينة،ثم يطفأ ذلك الخط وبعد لحظة يظهرخط عمودي قصير آخر(ب)لفترة قصيرة على يمين التثبيت فإذا كانت العلاقات الزمنية ملائمة وبخاصة مابين انطفاء (أ)وظهور (ب)فإنه لايبدو للمشاهد أن الخطأ يظهر أولا ثم ينطفئ ويظهر الخط ب ثم ينطفئ وهكذا بل يظهر كما لو لم يكن هناك سوى خط واحد يظهر أولا في موقع الخط أ ثم يقفز ويتحرك إلى موقع الخط ب والحركة الظاهرية التي تبدو وكأنها حركة لجسم واحد تتفق مع موقف المثير الذي ينظر إليه وكأنه يتكون جزءاً فالكل الذي ندركه أو الانطباع بأن هناك جسما واحدا فقط يتحرك من موقع لآخر لايمكن بأي حال من الأحوال التوصل إليه عن طريق العناصر أو المثيرات الحسية التي تكون هذا الكل.والحقيقية أن هذه الظاهرة كان قد كشف عنها عالم الفيزيولوجيا البلجيكي بلاتو في بداية القرن التاسع عشر. إذ توصل إلى أن عرض الصور الساكنة بوساطة جهاز خاص*جهاز قياس سرعة التردد 'stroboscope' يحدد تعاقبها ويتحكم بسرعة عرضها يحمل المشاهد إلى رؤيتها كأشياء متحركة. وحينما قرر ورتايمر دراسة هذه الظاهرة كان هدفه معرفة الشروط التي تجعل الإنسان يدرك الصور الساكنة وكأنها تتحرك. ولهذا عمد إلى تبسيط مخطط تجاربه إلى الحدود الممكنة.ولعل الشيء الأكثر إقناعا بالمقولة الجشطالتية يتمثل في التوصل إلى ذلك الإدراك الذي يتأتى عندما لا تؤدي العلاقة الزمنية إلى هذا النوع من الحركة في صورتها المثلى فلو كانت الفترة الزمنية ما بين انطفاء أ وظهور ب أطول قليلا من الوقت اللازم للحركة التي أوضحناها فيما سبق فإن المشاهد سيرى مجرد حركة بمعنى أن أ لن يبدو وكأنه يحل محل ب ولكن الخط أ سوف يظهر في محله في حين أن الخط ب سيظهر في مكانه منفصلا ومع ذلك فسيظهر هناك نوع من الخيال للحركة البحتة بدون أن يكون هناك أي جشم ينقل هذه الحركة وهو أبي الذي سيبدو أنه ينتقل من أ إلى ب وقد أطلق فرتيمر على هذا النوع من الخداع الحسي حرف فأي phi (بدأت حركة الجشطالت عندما كان فيرتهيمر مسافر في القطار في ألمانيا وشاهد بعض الإعلانات الضوئية حيث لاحظ أن مجموعات المصابيح التي يضيء بعضها بينما ينطفئ البعض الآخر في سرعة محددة فإنها تعطي المشاهد الانطباع بأنها تتحرك.) وهذا ما يعرف بظاهرة الفاي وهي تعني إذا رأت العين مثيرات بشكل معين فان هذه المثيرات يمكن أن تسبب خداعا حركيا,وهو الحرف الأول من كلمة phenomenon وكان من رأيه أن مثل هذه التجربة لا يمكن اعتبارها كمجرد مجموع للتجربة الحسية أحدثها المثيرات أ و ب .وفي عام١٩٢٣نشر فرتيمر بحثا آخر ضم بذور نظرية علم النفس الجشطالتية يتعلق بمبادئ التنظيم .أما كيرتكوفكا الذي كان أول من قدم المنهج الجشطالتي إلى علم النفس الناطق باللغة الإنجليزية فقد اشترك مع طلبته في عشرات التجارب التي أوحى بها التفكير الجشطالتي كما قام بإعداد كتاب مبادئ علم النفس الجشطالتي وهو أكثر الكتب تفصيل للنظرية الجشطالتية وهو مسح أكاديمي للكثير من التجارب والإسهامات النظرية التي قام بها المنظرون الجشطالت وطلبتهم خلال عقدين ونصف من تاريخ المدرسة الجشطالتية. وفي نفس الوقت الذي كان فرتيمر وكوهلر وكوفكا يمثلون الميدان التقليدي للتجارب السيكولوجية قام كيرت ليف بدراسة أثر النظرية الجشطالتية في مجالات الدافعية والشخصية وعلم النفس الاجتماعي
مستويات الإدراك: هناك ثلاث مستويات للإدراك تتمثل فيما يلي:
الإدراك الحسي:الإحساس يسبق الإدراك في تلقي المؤثرات الخارجية بالحواس المختلفة مما يؤدي إلى إدراكها والتي قد تكون بصرية أو سمعية حسب نوعها. فحين تطرق المنبهات الحسية حولها ينقل أثر هذه التنبيهات عن طريق أعصاب خاصة إلى المراكز العصبية في المخ ثم تترجم هناك إلى حالات شعورية نوعية بسيطة إلى ما يعرف بالإحساسات.ويعنى بها الأثر النفسي الذي ينشأ مباشرة عن تنبيه حاسة أو عضو.[1] ويمكن تقسيم هذه الإحساسات إلى ثلاثة أنواع: الأولى تتمثل في الإحساسات الخارجية المصدر مثل البصرية والسمعية والجلدية والشمية والذوقية ، والثانية تتمثل في إحساسات حشوية المصدر وتتصل بالمعدة والأمعاء والرئة والقلب والكليتين مثل الإحساس بالجوع والعطش وغثيان النفس أو انقباضها، والثالثة تتمثل في إحساسات عضلية أو حركية المنشأ ينجم عن تأثير أعضاء خاصة في العضلات والأوتار والمفاصل وتمنحنا معلومات عن ثقل الأشياء وضغطها وعن وضع وحركة الأهداف وتوازن الجسم. إلا أنه لا يجب التوقف عند هذا الحد وإلا لن نستطيع التكيف مع البيئة وعلى سبيل المثال لو أنك قابلت في الطريق نمرا ولم يصبك من مروره إلا بضعة ألوان جذابة وأصوات ورائحة من خلال الإحساس فقط فلن تحرك ساكنا تجاه أما إدراكناالذي يتلو إحساسنا السابق به إدراكا واقعيا أنه حيوان ذا صفات تنطوي على معنى خطير فهذا الإدراك العقلي هو الذي يؤدي بنا إلى ما يطلق عليه بالسلوك اللائق به كذلك ينطبق الأمر على اللون الأحمر الخاص بالإشارة فما يحدث أن الإدراك الحسي يتبع ذلك ليعمل العقل في الواقع بتحويل هذا الإحساس إلى رمز يفيد معنى عقلاني مؤداه التوقف عن السير.وهنا نخلص إلى تعريفه فهو العملية العقلية التي تنتج من الإحساس. وهذا ما نجده في مجال الإعلام والاتصال فلو نظر الدارس إلى صفحة الجريدة مثلا فلم يحس إلا بإحساسات بصرية فلن يخرج منها بشيء ولكن على القائم بالاتصال أن يدرك عقلانيا فيما وراء ذلك من رموز تفيد معان عقلية متعددة.
التذكر والتصور:هو عملية عقلية ترتبط بوظائف معرفية وتندرج ضمن ما يطلق عليه بالقدرات العقلية الخاصة، وإن كان لها صفة التميز لدى الفرد فيمكن أن يطلق عليها بقدرة نوعية تميز شخصه عن غيره والتذكر كعملية عقلية معناه استرجاع الخبرات الماضية إلى الذهن واستعادة ذكرها بالصورة التي سبق بها إدراكها، وقد يأتي التذكر بصورة مباشرة أو غير مباشرة وقد يكون هذا الشيء المتذكر على هيئة كلمات أو أشكال أو صور أو رموز أو وجوه.. وتتأثر قوة التذكر بثلاثة أبعاد هي أولا: البعد الفاصل بين الحوادث وتذكرها، بحيث إذا كان البعد الزمني قصير كانت عملية التذكر أوضح. ثانيا: أن الألوان المثيرة للانفعالات المصاحب للذكريات تؤثر في قوة عملية التذكر ووضوحها حيث يكبتها الفرد في اللاشعور. ثالثا: أن قوة عملية التذكر ووضوح أبعادها العقلية تتأثر بمدى الانتباه للموضوع الخاص بهذه العلمية والاهتمام به. وهنا يتضح أن التذكر يتضمن عمليتين أساسيتين هما " الاسترجاع والتصرف " فهو في معناه العام يعني استرجاع ما سبق أن تعلمناه واحتفظنا به ويختلف التعرف عن الاسترجاع في أن شعور الفرد بأن ما يدركه الآن هو جزء من خبراته السابقة وأنه معروف لديه وليس شيئا غريبا بمعنى أني أتعرف على هذا الشخص الواقف أمامي ، أتعرف على وجهه واسترجاع اسمه، ويلعب التذكر دورا جوهريا في مجال الإعلام فمثلا القائم بالاتصال يعتمد على عمليات الاسترجاع وتعرف على ما تتضمنه من معان عقلية تساعده في استرجاع ما تم التواصل معه خلال مواقف اتصاله الذي يسهل له انسياب التواصل والإعلام المترتب على المواقف السابقة، والفرق بين عملية التذكر والتصور أن التذكر تكون مواده موجودة في الذاكرة محفوظة تم قراءتها ورؤيتها أم في عملية التصور فهي لا تحمل فكرة مسبقة.
التخيل:يمثل حالة من إعمال الفكر والقوى العقلي التي تأخذ شكل التخيل وهي مرحلة أعلى من الصور لأنه يتناول الصور الذهنية بالمقارنة وإدراك العلاقات بينها وعمل تركيبات جديدة مبتكرة تختلف عن الصور السابقة، وعادة ما يتصف خيال المراهق باتساعه وغلبة الناحية الوجدانية عليه فنجده يضفي على قصصه الشاعرية التي تعكس نوع تفكيره وانفعالاته وعادة ما يتصل خيال المراهق بالجمال والبهاء وخاصة لدى البنات حيث يسبقن البنين في نمو خيالهن وخصوصيته ولعل هذا الارتباط في الواقع بين قدرة الفرد على التخيل وبين التفكير باعتبار أن التخيل هو قدرة عقلية فرعية تندرج تحته يمكن الاعتماد عليه بشكل إيجابي لصالح تنمية وتطوير السلوك التفاعلي والاتصالي بمعنى أن التفكير يساعد على تنمية قدرات القائم بالاتصال وتطويرها في اتجاه العمليات العقلية الابتكارية .
مبادئ النظرية الإدراكية:الفكرة الأساسية لها أن وسائل الإعلام ليست هي التي تصنع النظام الإدراكي للفرد بل تصنعه الخبرات السابقة والخصائص النفسية والجماعات المرجعية والأصدقاء. ركزت على النظام المعرفي الإدراكي للفرد وهو يختلف من فرد لآخر ووسائل الإعلام يجب أن تعرضه من خلال المبادئ الأساسية:
التعلم يعتمد على الإدراك الحسي: لما كان التعلم عملية اكتشاف للبيئة وللذات فإن مظهره الحاسم هو المظهر المعرفي ، والتعلم يعني اكتشاف طبيعة الحقيقة أو معرفة ما هو حقيقي. والتعلم متعلق بإدراك ما هو حاسم في أي موقف من المواقف أو معرفة كيف تترابط الأشياء والتعرف على البنية الداخلية للشيء الذي على المرء أن يتعامل معه، وما تتعلمه عن مهمة محددة هو الوظيفة المباشرة لكيفية رؤيتك لذلك العمل، وإذا لم تكن المشكلة التي تعرض عليك ذات معنى أي إذا كانت بنيتها الداخلية تبدو مبهمة عليك أو إذا ما بدت لك خليطا غير منتظم من الارتباطات الاعتباطية كأن تكون على سبيل المثال مجموعة من الأسماء أو المعارك أو التواريخ التي يطلب منك حفظها في درس من دروس التاريخ يعطيه لك مدرس يؤمن بالتكرار والحفظ المجرد فإن إدراكك لهذه المادة سيظل غير منتظم وغير متميز وباهت أما إذا كنت قادرا على فهم التفاصيل ورؤية كيف يؤدي شيء إلى شيء آخر أو كيف يؤدي حدث إلى حدث آخر بسرعة فإن هذا الفهم لهذه المادة هو أيضا ما تتعلمه عنها، والشيء الذي تتعلمه يتواجد أولا في الإدراك أو المعرفة قبل أن ينتقل إلى الذاكرة ومن هنا فإن فهم ما في الذاكرة يتطلب فهم المدخلات الأساسية التي يبنى عليها الفهم والإدراك في وقت من الأوقات يحدث أثرا يترسب في الذاكرة وعملية إحداث الأثر في الذاكرة وهو ما يقابل الأحداث المدركة أو المعروفة هذه العملية هي التي تجعل التذكر أمرا ممكنا وإذا لم تدرك الشيء في المقام الأول فمن الواضح أنك لن تستطيع أن تتذكر أي شيء عنه ، أما كيف تدرك شيئا ما فهو الأمر الذي يؤثر تأثيرا مباشرا في كيفية ترميزه في الذاكرة وهكذا فمن البديهي القول إن ما هو موجود في الذاكرة لا بد من أن يكون قد قدم بشكل محسوس أو مدرك أو معروف فالإدراك يحدد التعلم حيث يشكل أهم العمليات العقلية التي تساهم في تعلم الإنسان ولذلك اهتم الكثير من علماء الجشطالت وأتباعهم بدراسة الطبيعة العملية للإدراك والعوامل المؤثرة فيه واشتقت أهم المفاهيم والمبادئ والقوانين المتعلقة والمرتبطة بالتنظيم الإدراكي.
الكل أكبر من مجموع الأجزاءوإدراكنا للكليات يسبق إدراكنا للجزئيات المكونة لها . إدراك الكل يسبق إدراك الأجزاء .
الإنسان كل وأعمق من أن يعمل متفرد ،تناغم الأجزاء يجعل النظرة للكل أعمق من الأجزاء ،يجب أن تكون نظرتنا للأشياء المجموعة ليس مجموع أجزاء بل يجب أن يكون أعمق من ذلك أي في تناغم وتنظيم معين لو اختل جزء منها اختل البقية ،مثلا اللوحة أعقد من أنها شيء مجمع من عناصر جزئية ، فالإنسان مثلا يشكل مجال نفس بيولوجي مميزا وحتى نفهم طبيعة أو شخصية هذا الفرد يتوجب منا التركيز على فهم كله دون أعضائه الجزئية واحدة بعد الأخرى لأن الكل في نظرهم هو أكث تنظيما وجدوى إدراكية من مجموع الأجزاء الفرعية المكونة له .
يجب أن تكون نظرتنا للأشياء الحية والجامدة أكبر بكثير وتسبق النظرة التحليلية للأجزاء أو التجزئة، لذا تفسيرهم للتعلم تفسير كلي: نتعلم الجملة ثم الكلمة ثم الحروف عكس النظرة الجزئية: الحروف ثم الكلمة فالجملة
أنّ للعقل دور إيجابي نشيط في تنظيم وتبسيط اكتساب المعلومات الحية واكتساب المعاني والخبرات وليس دور سلبي كما يظن السلوكيون واعترفوا بدور العقل واعتبروه المحرك الرئيسي في تنظيم واكتساب المعلومات أي "التعلم". فبينما يرى السلوكيون أن العقل في نظام السلوك الإنساني لا يتعدى دور مقسم أو سنترال الهاتف بحيث يستقبل ويرسل الخبرات الحسية البيئية فإن الجشطالت يرون أن العقل عامل أساسي في تنظيم ومعالجة هذه الخبرات بحيث تبدو بصيغ كلية مختلفة عن أجزائها الحسية وأكثر فائدة ومعنى من مجموع هذه الأجزاء المنفردة
ولقد جاء موقفهم كرد فعل للنظريات السلوكية ' الإرتباطية ' وذلك لأن هذه الأخيرة نادت بكون التعلم يحدث نتيجة ارتباط بين مثيرات واستجابات وقالت بأن الإدراك ما هو إلا نسخة طبق الأصل للشيء المدرك أي تجميع آلي للأشياء التي يدركها الشخص فنظرية الجشطالت وهي من النظريات المعرفية بدأت فكرتها كما سبق ذكرها من خلال العالم النفسي ماكس ويرثمرالذي لم يكن مقتنعا بنظريات علماء النفس السلوكيين لأنه اعتبرها مجرد جمع ولصق لعناصر مختلفة فكان اعتراض النفس على النظريات السلوكية يشمل عدة نقاط وهي كالتالي :
· انتقدوا الاتجاه نحو تفتيت الإدراك إلى جزئيات صغيرة فالفرد يدرك الموقف كوحدة واحدة وليس كجزئيات مثل النظر إلى لوحة فنية حيث يدركها الناظر كلوحة واحدة وليس الألوان وحدها والأرضية وحدها..
· خالفوا السلوكيين في قولهم بأن التعلم هو سلسلة من الأقواس العصبية التي تربط بين المثير والاستجابة فقط
· يؤكد الجشطالت على ضرورةعدم فصل الكائن الحي عن بيئته لأن سلوك الإنسان إنما ينتج عن تفاعل الفرد مع بيئته الطبيعية والاجتماعية وأن إهمال الناحية السيكولوجية في سلوك الإنسان على جانب كبير من الخطورة ، فالكائن الحي والبيئة يوجدان في علاقة متبادلة أو علاقة ثنائية ويجب أن يعثر الكائن الكي على إشباع لحاجاته في البيئة وهو يتحرك نحو العالم ليقوم بهذه الإشباعات من خلال عملية الإحساس للتوجه والعمليات الحركية للتحكم ونقطة التفاعل بين الفرد والبيئة تمثل حدود الاتصال ودراسة أداء الكائن البشري في بيئته إنما هي في الواقع دراسة لما يجري عند حدود الاتصال بينهما وتعتبر أفكارنا وأفعالنا وسلوكياتنا وعواطفنا هي وسيلتنا لمعايشة ومواجهة هذه الأحداث الخاصة بالحدود.
· اهتمت مدرسة الجشطالت بتنظيم الموقف أو المجال وقت حدوث السلوك ، ويعتبر أثر ذلك التنظيم أهم من الخبرات السابقة ، ولذا فقد انتقد الجشطالت أصحاب نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ في تفسير سلوك الفرد على أساس عاملين فقط هما الاستعداد الفطري ممثلا في الدوافع والحاجات من جهة والخبرة السابقة من جهة أخرى ، بينما يرى أصحاب مدرسة الجشطالت أن هذان العاملان غير كافيان لتفسير سلوك الفرد بل يجب أن نضيف إلى ذلك عاملا آخر هو العامل الديناميكي الذي يؤدي إلى تفاعل القوى المختلفة في المجال أو الموقف وقت حدوث الإدراك ، ولا ننسى إعادة التنظيم فالصورة المألوفة للتعلم هي مسألة الانتقال من حالة يكون شيء ما فيها لا معنى له أو من حالة توجد فيها ثغرة لا يمكن التغلب عليها أو حالة يبدو فيها الموقف كله غامضا إلى حالة جديدة يصبح فيها للأشياء معنى حيث يصبح الموقف في غاية الوضوح وهذا يعني في صورته أن الإدراك قد تمت إعادة تنظيمه بحيث أن مفهوم المشكلة لم يعد يتضمن الثغرة المزعجة أو انعدام المعنى في التصور السابق.
· ولقد ساهم الجشطالت بنصيب وافر في دراسة وفهم طبيعة عملية التعلم بالاستبصار وهم لا ينكرون كلا من :
التعلم عن طريق المحاولة والخطأ لثورنديك
التعلم عن طريق تكوين رباط شرطي بين مثير واستجابة لبافلوف
إنما يقولون أن نتائج كليهما وغيرهما لا يمكن أن تنطبق على عملية التعلم بصفة عامة أي لا يمكن التعميم وأن هذه التجارب أمثلة خاصة لا تقبل التعميم بحيث تشمل جميع الكائنات والمواقف التعليمية.
قواعد التنظيم الإدراكي المساهمة في التعلم بالإستبصار:
قانون التقارب: فالمنبهات الحسية المتقاربة في المكان أو الزمان تبدو في مجال إدراكنا وحدة مستقلة وصيغة بارزة قبل إدراك العناصر أو الأجزاء المكونة لها مثلا : عند دخول المسجد في الصلاة من السهل إدراك عدد الصفوف قبل إدراك ومجمل ما عناه الجشطالتيون بهذه القوانين هو أن الفرد ينزع إلى إدراك الأشياء بصورة كلية ومتوازنة وحسنة بفعل العمليات والفيزيولوجية الفطرية التي يقوم بها الدماغ. فالصورة ندركها كاملة ولو تخلّلتها فجوات أو ثغرات أو حتى إذا كانت مجرد خطوط متقطعة. كما ننزع إلى الربط(الإغلاق) بين النقاط الموجودة أمامنا على الورقة وإدراكها كشكل هندسي. ونؤلف بين الأشياء القريبة بعضها إلى بعض في صورة كلية.
مكانة النظرية الجشطلتية في الوقت الحاضر:
ازدهرت النظرية الجشطالتية في ألمانيا خلال العشرينات وأوائل الثلاثينات وأصبحت بعد ذلك مدرسة رئيسية من مدارس علم النفس في أمريكا في فترة أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات ، ومعظم الأبحاث التي أوحت بها الطرية الجشطالتية كانت تنشر في مجلة كان يحررها علماء النفس الجشطالتيون تدعى البحث السيكولوجي منذ أوائل العشرينات وحتى منتصف الثلاثينات. ومع أن هذه المجلة قد توقفت مؤقتا خلال الحرب العالمية الثانية إلا أنها بعثت من جديد وأصبح محتواها أقل ارتباطا مباشرا بالنظرية الجشطالتية عما كان عليه في سنواتها الأولى..
وقد توقفت النظرية الجشطالتية عن كونها مدرسة خاصة وقوية ومترابطة بعد وفاة أصحابها الرئيسي خلال الأربعينات بدءا بكوفكا ثم فرتيمر وأخيرا ليف واستمر كوهلر كبطل رئيسي من أبطال الحركة حتى توفي هو الآخر في أواخر الستينات ولم يكن حماس الجيل الثاني من المنظرين الجشطالت في انتمائهم إلى النظرية على ما كان عليه حماس الثلاثة الأصلي ومن الواضح أنهم كانوا ينظرون لأنفسهم كعلماء نفس جشطالتي ومن بين أفراد هذا الجيل ولفجانج ميتزجر الذي كان مبرزا بين علماء النفس الناطقين باللغة الألمانية وفرتز هيدر الذي لحق بفرتيمر وكوهلر عام 1921 وتلميذه كوهلر ماري هنلي وتلميذا ليف روجر باركر ودورين كارترايت وغيرهم كثيرون ولكن المدرسة الجشطالية أصبحت أكثر انتشارا حقيقة كان هناك علماء جشطالتيون في عام 1980 ولكن معظمهم كانوا ينظرون لأنفسهم كباحث سيكولوجي يهتمون بعلم النفس في مجالات المعرفة أو التعلم أو الظواهر الاجتماعية أو التفكير أكثر من كونهم علماء جشطالتي في المقام الأول . فتأثير النظرية الجشطالتية على الوضع الراهن لعلم النفس هو تأثير ضمني أكثر منه تأثيرا صريحا رغم أنه لا زالت توجد دراسات متأثرة تأثر مباشرا بالنظرية الجشطالتية مثل النتائج التي توصل إليها بومرانتز وسيجر وستويفر عام 1977 والتي تقول بأن بعض أجزاء الأشكال الهندسية التي تعرض بصورة مرئية يسهل التعرف عليها فيما لو قدمت كأجزاء من أشكال أكبر وأكثر يسهل التعرف عليها لو قدم كل منها بصورة منعزلة. والأبحاث الحديثة التي جرت على المشكلات ومعالجة المعلومات وعلم النفس المعرفي تتحسن طريقها بصورة أكثر عمقا في القضايا التي أثارها علماء النفس الجشطالتيون قبل نصف قرن كما أن معظم الباحثين الحاليين على هذه المحاولات يدركون إسهام التراث الجشطالتي في الطريقة التي يجري من خلالها تناول المشكلات في هذه المجالات صحيح أن تكنولوجيا الكومبيوتر المعقدة قد حلت محل بطاقات الفهرسة ذات الرسومات المخطوطة بالحبر الهندي الأسود كما حلت المعادلات الرياضية محل الصيغ الكلامية الأقل دقة في النظريات التي تتناول الظواهر المعرفية ولكن هذه الطرق الحديثة ليست بعيدة كثيرا في مفاهيمها عن الأفكار الجشطاليتة الأصلية وصحيح أيضا أن مشكلات تنظيم التفكير والذاكرة ومشكلات بنية مفاهيم الناس عن عالمهم ودور المعاني في عملية التعلم وحل المشكلات قد غدت كلها أكثر وضوحا عما كانت عليه قبل بضع عقود مضت ولكن مبادئ التربية الجشطاليتة لعبت وتلعب دورا رئيسيا في السياسات التربوية وممارساتها في السنوات الأخيرة فالرياضيات الحديثة وغيرها من البرامج التعليمية التي جرى تطويرها خلال الخمسينات والستينات والتي تم تطبيقها في طول الولايات المتحدة الأمريكية وعرضها وفي الخارج كانت معظمها مبنية على التعلم القائم علة الاكتشاف وعلى سياسات تعليمية تقوم على مبادئ شبيهة بتلك التي يمكن تتبع آثارها في الحركة الجشطاليتة بصورة مباشرة .
