الأحد، 5 سبتمبر 2010












التكوين وجماليته




التكوين ليس كلمة عابرة نمر علبها مرور الكرام بل كلمة يجب ان نقف عندها كثيرا. وهناك الكثير من الآراء التي اختلفت بمضامينها في التعبير عن التكوين كمفهوم ولكنها أجمعت بمضمونها وتقارب آرائها كفكرة.

لو نتطرق الى التكوين كدراسة مستفيضة لابد ان نقف طويلا عندها حتى نعطي هذا الموضوع المهم حقه، لكن في هذا البحث نتطرق الى التطرف وليس التشعب لكن لا نبتعد عن المعنى الأساسي للتكوين

تشتق كلمة التكوين من كون يكون تكوينا، وكينونة الشيء صورته، وجمعه تكاوين الصورة والهيئة.

وللتكوين عدة عوامل مساعدة او عوامل رئيسية في تكوين شكل التكوين، وهذا ما أكده (أ.ف.فايفيلد) بقوله " التكوين ربط ومزاوجة وترتيب مختلف عناصر العمل الفني، ويشير أيضا الى ان التكوين هو تصميم حركة العمل الفني، وهو عملية تجسيد المعنى التي تشتمل على جميع عناصر العمل الفني بدون استثناء"

وتقريبا يقترب الاكساندر دين من فايفيلد بالمضمون من ان تعريف التكوين " هو بناء شكل او تصميم المجموعة ومع ذلك فهو ليس صورة. فالتكوين قادر على التعبير عن شعور وكنه حالة الموضوع والمزاجية من خلال اللون والخط والكتلة والشكل لانه لا يروي الحكاية انه التك*** وليس الصورة"

إذن التكوين هو تك*** عند الثاني وهو عملية تجسيد المعنى عند الاول، ولكي نقترب من طروحات الاثنين نقول انهما يقتربان من معنى واحد وهو ان التكوين هو نتيجة ربط ومزاوجة كافة عناصر العمل الفني لكي نصل الى الشكل الذي نريده او نطمح بالوصول إليه لكي نعبر عن حالة ما لموضوع ما. ولكن هناك عدة عوامل او عناصر لابد من تواجدها لكي نحصل من خلال اندماجها وربطها معا على شكل التكوين " والذي هو الترتيب المعقول للناس في مجموعة ما من خلال استعمال التأكيد، الثبات، التتابع والتوازن لتحقيق الوضوح والجمال الذي يروق للناس"

وبما ان التكوين ليس صورة كما في رأى الاكسندر دين ، وانما هو بناء شكل او أشكال من خلال التعرف بالمجموعة المتواجدة في عمل ما ، حيث يقوم الفنان ومن خلال هذه المجموعة بتكوين تكوينات معبرة عن روح العمل ، لتعطي بذلك شكل جمالي .

التكوين يدخل بكل شي فني ، والتكوين يقترب من الفن التشكيلي باعتبار اللوحة أيضا لها تكوين ، ولكن تكوين اللوحة ثابت وذو مساحة محددة ومأطرة بإطار واحد عكس التكوين على سبيل المثال في العرض المسرحي الذي يسير وفق متغيرات النص.

والتكوين ليس حكرا على خشبة المسرح فقط وانما حتى في السينما ايضا هناك تكوين من خلال (حصر) كادر العمل في لقطة معبرة عن حالة ما، وبذلك إبداع لغة تفاهم بين المتلقي وبين الفيلم ، وهذه اللغة هي التكوين.

والتكوين موجود حتى في النصب النحتي الذي يساعد على نطق النصب بلغته .

يدخل التكوين في كل شئ له علاقة بالفن حتى في جلوس عازفي الأوركسترا لعزف السيمفونية، وطريقة جلوسهم بتوزيع عازفي الكمان في جهة والكونترباص في جهة ، والفلوت في جهة والسا كسيفون في جهة أخري . هذا ايضا تكوين للتعريف على مفردات السيمفونية او الأوركسترا.

هذه رغم انها أبعاد محدودة لكنها ذات أبعاد جمالية تساعد في خلق التكوين الجمالي للشكل العام.

إذن التكوين موجود في كل شئ فني بصري وبذلك يساعد في إغناء المشاهد تفهما لما يدور أمامه.

والتكوين هو:" الانتقاء والتنسيق تبعا لبعض المبادئ، ضرورة أساسية في الفن وفي معظم ألوان الجمال الطبيعي ان لم يكن كلها، فذرة الثلج المكبرة تكون شكلا سداسيا، ومنظر الغروب يتألف من الطبقتين الحمراء والبرتقالية في تقابل مع زرقة السماء، وتسمى عملية الانتقاء والتنسيق في الفن باسم التكوين. والتكوين وسيلة هامة في المسرح لتوضيح وتركيز القيم العقلية العاطفية في الإخراج. وإذا جاء التكوين ممتعا في حد ذاته خلق قيما جمالية"

وحتى الحيز وهو الفراغ له اهمية في تكوين التكوين.

جماليات التكوين:

الجمال هو " وحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا "

من هذا المنطلق أو من هذا التعريف للجمال نجد أن القيمة الجمالية في التكوين تزداد وتتسع بوحدة الآشكال بحيث تصبح أكثر جمالأ حتى تصل الى المتلقي بكل سلاسة،وهذه العملية لا يمكن ان تتم إلى عبر خصائص معينة ينبغي توفرها في الأعمال الفنية إذ ان عملية الوقوع في الشرك الجمالي للتكوين ليست عملية عشوائية او انها تحدث فجأة وانما هنالك مراحل تجتازها العين البشرية للوصول إلى ذلك المدرك الجمالي في التكوين.

ان تحقيق الجمال وامتاع النظارة ليس بالعملية البسيطة والتي تتطلب إدراك الجزئيات في العمل الفني بعد إدراك الشكل، أي ان إدراك الموضوع أمر لاحق لعجلة النداء البصري، وأيضا لاجتذاب النظر في المتعة من خلال التكوين لابد ان تكون ذات مميزات بسيطة وسريعة الفهم، بحيث لابد ان تكون ذات صياغات واشكال فنية ذات دلالات تساعد على الجمالية في العرض الفني وذلك يتم من خلال البساطة في التراكيب الفنية المستخدمة في العملية المنظرية في العمل.

وليس كل تشكيل فني او تكوين ذات منظور بصري يساعد على الفهم بل على العكس من ذلك نجد ان هنالك تكوينات مركبة تجعل من العمل الفني مجموعة طلاسم يتعذر على المتلقى فهمها ولذلك نرى ان ما ذهب إليه (ناثان نوبل) اكثر اقترابا لهذا المفهوم الذي نتطرق إليه حيث قال" ان المتعة في العمل الفني تتحقق عبر تذوق التجربة الجمالية التي هي انتاج التواصل بين الشي الفني والمشاهد حيث ان تفحص العوامل التي تؤدي الى التجربة الجمالية قد ينمي فهما لهذه المسالة وتزودنا بالدليل لاكتشاف السبيل الى المتعة لدى التطلع الى الآثار الفنية التي لم تحرك فينا ساكنا من قبل إلا قليلا".

أحمد صالح المنتشري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق